أفرز التوسع العمراني والبناء العشوائي مشهدا فوضويا في جل المدن والأحياء التونسية بما في ذلك الأحياء الراقية التي يغيب في العديد منها روح الإبداع المعماري أو بصمة المعمار المحلي ما عدا بعض الاستثناءات.

وكثيرا ما تغلب النمطية على المباني الحديثة وتقليد هندسة المعمار الغربي، فالعولمة أضحت تتجلى حتى على مستوى المعمار والجدران واﻷزقة والبنايات، ولم نعد نلمس هوية وثقافة خاصة بالبلاد أو تفرّدا، بل نشهد أزمة الافتقار إلى الإبداع وغياب التناسق و انسجام الألوان التي تعكس الموروث الثقافي والجمالي.

دور التصميم المعماري في تأصيل الهوية

ذكر سيف وهو مهندس معماري لـ “JDD” أن الفوضى العمرانية تعد انعكاسا لنتيجة محدودية الدور الذي يقوم به المهندس المعماري والذي لا يتم اللجوء إليه في الغالب إلا صوريا للحصول على رخص البناء لذلك نلمس غياب الإتقان و الإبداع وعدم الأخذ بالمقاييس العمرانية على غير المتداول عليه بغياب الكفاءات في مجال الهندسة المعمارية، وأضاف أن الأزمة كذلك لها علاقة بالحالة الاقتصادية التى يمر بها العالم والارتفاع الذى شهدته مواد البناء ما أثر على الموارد والقائمين على فن العمارة ودفعهم إلى استخدام الأرخص فى البناء والأرخص فى التشييد والشكل الحضارى.

وصرّح أن إبّان الثورة، استشرت ظاهرة الفوضوية والبناء بدون رخص لنرى مشاهد البناءات الفوضوية على غير العادة، وتراكم الصور التي تغيب عنها الجمالية وعدم التناسق وغياب المعايير التخطيطية والتصميمية”.

غير أن ذلك لا ينفي تحمل بعض المهندسين المعماريين الذين يضعون التصاميم الخاصة للبنيان دون مراعاة الخصوصية المعمارية جزءا من المسؤولية في النشاز المعماري الذي يعكس أزمة ثقافية واجتماعية وجمالية، ففي لحظة تأمل في المعمار اليوم يلاحظ انتشار المباني الخرسانية ذات القوالب الرديئة والواجهات العصرية، أكبر دليل على انغماس المجتمع في هندسة معمارية دخيلة لا تنسجم في الغالب مع مناخنا من ذلك انتشار الواجهات البلورية التي تعد مكلفة على مستوى التكييف والصيانة.

كما نشير في نفس السياق، لهشاشة البنية التحتية بتونس التي تعتبر غير مؤهلة والتي تعكس تدهور الطرقات والراجع لنقص الموارد المالية العمومية وغياب تخطيط كامل، فمن الملاحظ أن البلاد التونسية، تشهد مع كل نزول للأمطار فيضانات وانسدادا لأماكن الصرف الصحي، وذلك نتيجة للإهمال وغياب رقابة السّلط المحلية.

العمران والقانون

في عام 1969 ، أجرى عالم النفس والاجتماع فيليب زمبادرو تجربة لاختبار السلوك المجتمعي، فقام بترك سيارة بزجاج مكسور وخالية من الأرقام في الشارع، وخلال ثلاثة أيام، بدأ المارة بسرقة وتخريب السيارة بالكامل، وخرج من التجربة بنظرية اسماها ( النافذة المكسورة ) والتي تدل على أن إهمال معالجة أي مشكلة في بيئة ما، بغض النظر عن حجمها، سيؤثر على مواقف الناس وتصرفاتهم تجاه تلك البيئة بشكل سلبي ما يؤدي إلى مشاكل أكثر وأكبر والعكس صحيح أيضا ، فمعالجة المشاكل الصغيرة في وقت سريع سيؤدي إلى بيئة أفضل وسلوك أحسن، كما أن عدم وجود رقابة وعقوبات يفاقم المشاكل ويؤدي إلى تدهور المجتمع ..

يُعتبر الاعتداء على الذوق العام تهمة يعاقب عليها القانون في بعض الدول العربية في ما يتعلق بالأخلاق العامة وسلوك الأفراد حتى أن بعض الأنظمة استغلت هذه التهمة لتلفيقها لمعارضيها، فهل نستطيع رسم إطار للذوق العام؟

وعليه يؤكد الباحث في علم الاجتماع علي الهمامي لـ “JDD” ضرورة تفعیل القوانین المتعلقة بجمالیة البیئة والذوق العام من الضرائب المترتبة على التخريب، وإلزام الجهات المعنية بأداء واجبها في هذا الجانب، بإزالة كل مظاھر القبح التي تتقاطع والتربیة الجمالیة، وذلك بفرض الغرامات المالیة على المتجاوزین على المرافق العامة، ويؤكد على أهمية تكریم الأفراد الذین یجملون شوارعھم ویشجرون واجھات بیوتھم، بهدايا معنوية فربما يكون سبيلا للتحفيز والتشجيع الدائم وعليه يؤثر ذلك إيجابا على تحسين الذوق.

وهنا يبقى السؤال المطروح عن كيفية ابتكار طرق جديدة في المحافظة على الذوق العام وضمان حد أدنى من الذوق الرفيع داخل المجتمع؟

.