صحيفة الأحد – Jdd Tunisie

الملكية الأدبية والفكرية في تونس”حبر على ورق”

يتواصل تبادل الاتهامات بالسرقة والقرصنة وانتهاك حقوق التأليف ورفع شكايات وقضايا في تونس، رغم تنصيص دستور 2014 في باب الحقوق والحريات على حماية الملكية الفكرية.

ورغم دسترة هذا الحق ووجود عدة نصوص قانونية تنظم الملكية الفكرية، ما زالت عديد القنوات التلفزية والإذاعية غير ملتزمة باحترام وحماية حقوق التأليف وتعمد إلى خرقه، فماهو المقصود بحقوق المؤلف؟ وكيف يتم حمايتها في التشريع الوطني؟

حقوق المؤلف في التشريع الوطني

يُعتبر حقّ المؤلّف جزءًا من الملكيّة الفكريّة الّتي تُعرّفها المنظمة العالمية للملكية الفكرية (ويبو) على” أنها نتاج لفكر الإنسان من إبداعات مثل الاختراعات والنماذج الصناعية والعلامات التجارية والأغاني والكتب والرموز والأسماء، ولا تختلف حقوق الملكية الفكرية عن حقوق الملكية الأخرى، فهي تمكن مالك الحق من الاستفادة بشتى الطرق من عمله الذى كان مجرد فكرة ثم تبلور إلى أن أصبح في صورة منتج، ويحق للمالك منع الاَخرين من التعامل في ملكه دون الحصول على إذن مسبق منه، كما يحق له مقاضاتهم في حالة التعدي على حقوقه والمطالبة بوقف التعدي أو وقف استمراره والتعويض عما أصابه من ضرر”.

لا تشكو الملكية الفكرية في تونس من فراغ تشريعي، فهي بفرعيها الرئيسين: الملكية الأدبية والفنية من جهة، والملكية الصناعية من جهة أخرى محمية بقوانين تتماشى في مجملها مع الالتزامات الدولية المنجرة عن المصادقة على اتفاقيات ذات علاقة بهذا المجال، وبالخصوص اتفاقية جوانب الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة.

ة

وقد صادقت تونس على عديد الاتّفاقيّات الدوليّة المتعلّقة بحماية حقوق المؤلّف لعلّ أبرزها الاتفاقية العالمية لحق المؤلف سنة 1963، وانضمام تونس إلى المنظمة العالمية للملكية الفكرية سنة 1975 واتفاقية بارن لحماية المصنفات الأدبية والفنية المؤرخة سنة 1986 والمصادقة على القانون الأساسي للمنظمة الأفريقية للملكية الفكرية في مارس 2020، بالإضافة إلى سنّها للقانون عدد 36 لسنة 1994 المتعلق بالملكية الأدبية والفنية كما تم تنقيحه بالقانون عدد 33 لسنة 2009.

ولا يمكن أن يخلو دستور حديث من تكريس لحق الملكية، وقد كان هذا شأن دستور تونس لسنة 1959 وهو كذلك الشأن لدستور جانفي 2014، والذي ذكر في فصله 41 في الفقرة الثانية على أن “الملكية الفكرية مضمونة”

قضايا وشكايات

ما تشكو منه الملكية الفكرية في تونس هو كثرة الانتهاكات التي لا تلاقي تصديا تلقائيا من الأجهزة المكلفة بإنفاذ القانون، كما تجدر الإشارة لأبرز معضلة يجب مواجهتها وهي أن الحماية القانونية للملكية الفكرية لم تكن وليدة اقتناع تشريعي مبني على مصلحة وطنية ثابتة بل وفاءً اضطراريا لالتزامات دولية، فهي حزمة القوانين التي فرضتها آنذاك سلطات الاحتلال الفرنسي وهي أيضا الحقيقة المعاصرة التي فرضتها العولمة ونظام المصادقة بالجملة على الاتفاقيات.

جدير بالذكّر، أن الفنان “بنديرمان” والذي تقدّم بشكوى لدى القضاء إثر نشر مقطع فيديو على الصفحة الرّسمية لمؤسّسة التّجاري بنك تمّ فيه استعمال أغنية “غناية ليك” دون أيّ إشارة إلى عنوان الأغنية أو اسم صاحبها، وهي ليست المرة الأولى الّتي يتمّ فيها استعمال مقاطع موسيقيّة أو نصوص تعود ملكيّتها إلى شخص بعينه وتوظيفها لأغراض ترويجيّة أو في أعمال فنيّة أخرى.

ومن جانبه، ذكر الكاتب وسيم التليلي أنه عاش تجربة مريرة مع انتهاك حقوق الملكية في تونس وانتشار استسهال سرقة أفكار الآخرين، حيث قام بتقديم شكوى لدى القضاء حول سلسلة “جنون القايلة”، واتّهم كاتبة السيناريو بأنّها استغلّت الفكرية الأصليّة دون احترام الملكيّة الفكرية، مؤكّدا أنّه أرسل السيناريو إلى شركة الإنتاج قبل أن تقوم هي بصياغة الفكرة بالشّكل الّذي ظهرت عليه في الشاشة.

كما صرّح الفنان صالح الفرزيط حين قام فهمي الرياحي بإعادة أداء أغنيته “يا بايعتني” بتوزيع جديد دون طلب ترخيص منه ودون أن يدفع له مقابلا ماليّا أنها ليست المناسبة الأولى التي يتم فيها الاعتداء على حقوق التأليف.

وتحدّث وزير الثقافة السابق مراد الصقلي عن تورط وزارة الثقافة في انتهاك حقوق الملكية الأدبية والفنية قائلاً: “حتى وزارة الثقافة تساهم في التعدي على حقوق الفنانين والمبدعين من خلال استغلال إبداعاتهم مجاناً في المهرجانات”.

ومؤخرا، وقع إصدار بلاغ عن المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة”على إثر قيام عدد من القنوات الإذاعية والتلفزية العمومية والخاصة والمنصّات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي بتمرير ومضتين إشهاريتين باستعمال ألحان موسيقية لأغنيتين تونسيتين… وحيث عمدت الشركة المنتجة للومضتين إلى تغيير كلماتها بتشويه محتواهم والإعتداء على حقوق أصحابها، واستغلالهما دون الحصول على ترخيص قانوني مسبق واحترام مقتضيات التشريع الوطني المتعلق بحقوق الملكية الفكرية والأدبية والفنية”.

وتبعا لذلك تدعو المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، كافة القنوات الإذاعية والتلفزية المعنية للإيقاف الفوري عن بث الومضتين الإشهاريتين إلى جانب اتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية اللازمة.

قانون غير مفعّل

توجد في تونس ترسانة من التشريعات المنظمة لحقوق المؤلف والملكية الفكرية، على رأسها الدستور والقوانين المنظمة والمعاهدات الدولية المصادق عليها، ووفق وزارة الخارجية التونسية، انضمت تونس للمنظمة العالمية للملكية الفكرية سنة 1975، علاوة على توقيعها على الاتفاقية العالمية لحقوق المؤلف لسنة 1969، إلا أن معظم هذه القوانين غير مفعلة، وأكبر دليل على ذلك، عدم توقيع أغلب المؤسسات الإعلامية على اتفاقيات حقوق التأليف.

إذ تصرّ ما لا يقل عن 94 % من القنوات و82 % من الإذاعات التونسية على عدم إبرام اتفاقيات مع المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وفق وثائق حصلت عليها أنا يقظ من نفس المؤسسة بتاريخ 22 ماي 2017 إثر طلب للحصول على المعلومة.

قائمة القنوات التي انخرطت في مسار حماية حقوق التأليف لا تعدو أن تتجاوز قناتين فقط وهما الوطنية الأولى والوطنية الثانية (تعودان بالنظر لمؤسسة التلفزة التونسية كمرفق العمومي) من مجموعة 15 مؤسسة تلفزية، بينما تواصل قنوات الحوار التونسي والتاسعة ونسمة وحنبعل وتونسنا وتلفزة تي في وفيرست تي في والجنوبية وأم تونيزيا وM24 والإنسان وTT1 والزيتونة والزيتونة هداية، خرق الفصل 41 من الدستور وعدم التقيّد بأحد فصول كراس الشروط وتجاوز القانون عدد 36 لسنة 1994 المنقح في 2009، حسب منطمة أنا يقظ.

ومن جهته، صرّح وسام التليلي لـ “JDD” أنه من الضروري وضع آليات سريعة وصارمة لوقف انتهاك الحقوق الفكرية ومعالجة الفوضى العارمة التي يعاني منها القطاع إلى جانب بطء الإجراءات القانونية المتعلقة بحماية حقوق المؤلف وعدم وجود آليات آنية أمام تنامي السرقات الفكرية”.

ونوه المحامي أحمد بن حسانة بأهمية دسترة حق الملكية الفكرية في الدستور التونسي الجديد وفق ما نص عليه الفصل 41 الذي يمنح المفكرين الحق في حصانة قانونية لملكيتهم، لكنه أشار إلى أن ذلك بقي حبراً على ورق لأن تونس التي كانت سباقة عربياً على مستوى التشريع في هذا المجال، كانت سباقة أيضا على مستوى الانتهاك.

الخروج من نسخة الهاتف المحمول