كتبت خولة قريرة

أضحى وضع المحكمة الدستورية التونسية أمام مصير مجهول مع رفض الرئيس قيس سعيد إمضاء قانون معدل لقانون المحكمة وتعليله بوجود خرق للدستور، ما يفتح الباب أمام أزمة دستورية جديدة تضاف إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة بالبلاد حيث أصبحت موقعا لصراعات سياسية وإديولوجية جديدة.

المحكمة الدستورية في تونس التي كان يفترض تأسيسها في أجل عام من صدور دستور تونس الجديد عام 2014، تأخر وضعها لسنوات بسبب الفشل في انتخاب ثلث أعضائها من قبل البرلمان، إذ لم يحصل إلا مرشح واحد من بين الأربعة على أغلبية الثلثين وتمّ تأجيل الجلسة العامة التي كان من المزمع عقدها يوم الخميس 8 أفريل 2021 لمواصلة انتخاب بقية أعضاء المحكمة الدستورية، إلى موعد لاحق.

تعطيل المحكمة الدستورية ومماطلة في إرسائها

رفض الرئيس قيس سعيد الإمضاء على التعديلات التي أدخلها البرلمان على قانون المحكمة الدستورية، وجاء ردّه مصحوبا بجملة من الحجج القانونية أهمها المتصلة بالآجال الدستورية، وقد فتح هذا الأخير صراعا قانونيا ودستوريا في البلاد يضاف إلى الأزمة السياسية، إذ أثار امتناع الرئيس التونسي ختم مشروع قانون تنقيح المحكمة الدستورية ورده مجددا للبرلمان، ردود فعل متباينة بين الأوساط السياسية، بين من وصفه بأنه يأتي في إطار رغبة الرئيس في إطالة أمد الأزمة واحتكار تأويل الدستور، ومن اعتبره حقا كفله له دستور الجمهورية الثانية.

وينص الدستور التونسي على ضرورة تشكيل المحكمة الدستورية في أجل أقصاه سنة من موعد الانتخابات التشريعية التي عقدت في 2014، غير أن الكتل البرلمانية لم تتمكن من انتخاب سوى عضو واحد في مارس 2018 من بين 4 أعضاء بسبب الخلافات الحزبية.

وعلل الرئيس رفضه ختم مشروع قانون المحكمة الدستورية بعدّة حجج قانونية أهمها تلك المتصلة بالآجال الدستورية لإرساء المحكمة، فضلا عن عناصر قانونية أخرى متصلة بما شهدته تونس منذ وضع الدستور إلى اليوم، وفق نص بيان الرئاسة.

وتبعا لما ورد اتهمت قيادات حزبية رئيس الجمهورية بسعيه نحو تعطيل إرساء المحكمة الدستورية “ليظل هو المحتكر الوحيد لتأويل الدستور، واتهم القيادي في حركة النهضة سامي الطريقي رئيس الجمهورية بالسعي نحو إطالة أمد الأزمة السياسية في البلاد، وإظهار العداء لأي مشروع يصادق عليه البرلمان.

كما تساءل الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي في تدوينة مطولة عن المغزى من رد الرئيس مشروع تعديل قانون المحكمة الدستورية إلى البرلمان، والتعلل بانقضاء الآجال الدستورية، و”إن كانت تخفي رغبة لديه في رفض استكمال الهيئات الدستورية وتطويع ذلك في صراعه السياسي على حساب استقرار البلاد”.

تأجيل جلسة انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية

لتشكيل محكمة دستورية، كان من المفترض أن يصوت البرلمان على أربعة أعضاء ثم يعين المجلس الأعلى للقضاء أربعة أعضاء آخرين في حين يعين رئيس الجمهورية الأربعة المتبقين، لكن رغم أن البرلمان عقد عدة جلسات عامة من أجل ذلك إلا أنه لم يفلح في التوافق بهذا الشأن. 

ويتطلب انتخاب الأعضاء أغلبية الثلثين أي 145 عضوا من مجمل 217 عضوا في مجلس الشعب، لكن النواب لم يتفقوا إلا على انتخاب عضو واحد وهي روضة الورسيغني.

وصرّح عضو الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية والباحث في القانون الدستوري بشير الخرايفي، لـ “JDD ” أن في هذه الحالة يكون البرلمان مخيرا أمام خيارين إما أن يتخلى نهائيا عن تنقيح القانون الأساسي المتعلق بالمحكمة الدستورية أو يتم تنقيحه وإرجاعه لرئيس الجمهورية، ولكن في هذه الحالة رئيس الجمهورية لن يمضي على هذا القانون، وذلك عملا بالفصل 148، ويعتبر هذا الأخير هو عبث بالقانون وغياب الإرادة السياسية، وفق تعبيره.

وأضاف أنه، وإن كانت الأسباب تبدو في ظاهرها تقنية تنحصر في عدم حصول المرشحين على أغلبية الثلثين من الأصوات وتأجيل انتخاب أعضاء الهيئة الدستورية، فهي تخفي حسابات إيديولوجية ضيقة، يدفع ثمنها الشعب التونسي عبر حرمانه من “دولة القانون والدستور”.

وفي السياق ذاته، أكد بعض النشطاء السياسيين على وجود مماطلة تتعلق بنشوب أزمات بين رؤساء الحكومات المتعاقبة ورئاسة الجمهورية بما يقتضي تركيز المحكمة الدستورية التي تفصل في هذه النزاعات بينهم، ويشير بعض السياسيين والحقوقيين أنه في حالة غياب هذه المحكمة فإنه لا يمكن الطعن في العديد من التشريعات والقوانين التي تمس الحقوق و الحريات الفردية.