أثار تعليق على مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة غضبا واسعا لرواد الأنترنت، وذلك لما فيه من تهكّم واستفزاز يصل إلى حدّ الانتهاك الخطير لحقوق الإنسان.

ويتضمن هذا الأخير، حادثة وقعت بولاية سوسة لأب يدهس ابنته الرضيعة بالجرافة على وجه الخطأ، فتكون إحدى التعليقات على هذه الواقعة من طرف شخص ليردّ عليه أنه “من حسن الحظّ أنها فتاة وليست ولدا، متمنيا للعائلة أن ترزق عوضا عن الفقيدة بابن صالح، حسب قوله”.

وتبعا لما ورد، تطرح العديد من التساؤلات في هذا السّياق، كيف يتعامل قانون 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة مع مثل هذه الجرائم الإلكترونية؟ لماذا لا تزال النزعة الذكورية قائمة رغم ترسانة القوانين المجرمة لمثل هذه الظواهر؟

قانون موجود.. ولكن

تتعدد التشريعات والنصوص القانونية الرامية إلى المحافظة على حقوق المرأة التونسية وحمايتها من الظواهر السلبية على غرار العنف والتهميش، وذلك من خلال الدستور التونسي والذي ينص في فصليه 21 و 46 على المساواة وتكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة، إلى الاتفاقيات الدولية على غرار اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة وصولا إلى القوانين والأوامر، لنذكر على سبيل المثال القانون عدد 58 المؤرخ في 11 أوت 2017 الخاص بالقضاء على العنف ضد المرأة.

ولا تزال المرأة التونسية تعاني من ظاهرة العنف رغم تعدد القوانين والمعاهدات الدولية التي تسعى إلى حمايتها من هذه الظاهرة ولعل الإشكالية في هذا المستوى لا تتعلق بالجانب التشريعي بل بالجانب التوعوي، إذ انه أصبح من الضروري دفع الحوار وتوفير الحماية والتأطير للنساء المعنفات، ففي بعض الحالات تسكت المرأة عن حقها رغم علمها بحقوقها خوفا من العائلة ونظرة المجتمع وخوفا من الرجل.

وفي هذا الصدد أكدت الناشطة سناء بن عاشور لـ “JDD” أن الذكورية المفرطة في المجتمع التونسي لا تفوّت على نفسها فرصة للكشف عن وجهها الحقيقي، فهي تختفي في تفاصيل يومية وفي عبارات يردّدها التونسيون بكل شرائحهم، ربما عن وعي أو عن جهل منهم بخطورتها، والذكورية التونسية المقيتة تتجلّى في التعليقات التي تنتشر سواء في مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى في الحياة اليومية، وهو ما يتجلّى في التعليق السابق ذكره، ومن المؤسف أن لا يتعامل القضاء مع مثل هذه الظواهر بأكثر صرامة”، وفق تعبيرها.

ولعل أبرز مثال على تنامي ظاهرة العنف ضد المرأة في تونس هي الأرقام التي سجلتها وزارة المرأة خلال الأزمة الصحية، والتي أكدت فيها ارتفاع معدل العنف المسلط بنسبة 5 مرات خلال فترة الحجر الصحي.

و ضمن هذا الإطار توصلت دراسة أعدتها الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات حول مدى حسن تطبيق القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة بعد أكثر من 3 سنوات من دخوله حيز النفاذ إلى رصد صعوبات أمام تطبيق  قانون 58 لسنة 2017، والتي تعتبر متأتية من داخل منظومة العدالة في حد ذاتها إذ يمكن اعتبارها صعوبات مؤسساتية مثل الوصم من قبل أعوان الضابطة العدلية وسوء المعاملة والتحيز لبعض القضاة وغياب مكاتب للإرشاد القانوني أو خلايا لاستقبال وتوجيه النساء ضحايا العنف في المحاكم، كما ضمنت الدراسة عدم التمتع  بالحق في الإعانة العدلية بصفة آلية وعدم وضوح إجراءاتها وبطئها وطول مدة التقاضي وغياب التخصص لدى القضاة في مجال العنف المسلط على النساء وغياب دوائر قضائية متخصصة دون الأخذ بعين الاعتبار لخصوصية الضحايا  مما يشكل عائقا  مضاعفا لإنصاف النساء.

كذلك وفي ظل غياب مؤسسة المرشد القضائي، والتي وإن لم يتم إلغاؤها بشكل رسمي، فقد أصبحت فعليا غائبة على مستوى أغلب المحاكم وهو ما يضيع وقت وجهد النساء في البحث داخل أروقة المحاكم عن المعلومة ويساهم في استسلامهن وعدم قدرتهن على مواصلة إجراءات التقاضي في ظل غياب التمكين القانوني للنساء، من حيث نقص المعرفة بالحقوق والإجراءات القانونية، وتم التطرق في جانب آخر، إلى الصعوبات الاقتصادية خاصة بالنسبة للنساء اللاتي تعشن وضعيات هشة متعلقة بضعف الإمكانات المادية لتغطية التكاليف المرتبطة بالاستشارة القانونية، وعدم تطبيق مبدأ مجانية الشهائد الطبية للنساء ضحايا العنف، وتكليف التقاضي، ورعاية الأطفال، مما يشكل عائقا أمامهن في اللجوء إلى القضاء.

الجانب القضائي في تطبيق قانون 58 لسنة 2017

بعد أكثر من 3 سنوات على دخوله حيز النفاذ، توصلت نفس الدراسة بعد تقييم بعض الأحكام الجزائية المتعلقة بجرائم العنف الزوجي وبالرغم من ارتفاع نسبة العنف المادي ضد النساء إلا أنه لا توجد رغبة ولا إرادة لمقاومته من قبل بعض القضاة ويرجع  ذلك للعقلية الذكورية للبعض منهم.

 كما تمت ملاحظة تسامح على مستوى الأحكام الصادرة بالمقارنة مع أفعال العنف المشتكى بها وينتفع المعنِّفون في أغلب الأحيان بظروف تخفيف حتى في الحالات التي يشدد فيها المشرع العقاب، كما يلاحظ عدم وجود تناسب بين مدة الراحة المضمنة في الشهادة الطبية الأولية والعقاب في مختلف الأحكام وكذلك الحكم بعقوبات غير رادعة ولا تتناسب مع خطورة الاعتداءات المسلطة على حرمة النساء الجسدية والمعنوية وكرامتهن بتعلة المحافظة على العلاقات الأسرية وهو حيف في حق الضحايا. 

أما بالنسبة للعنف الجنسي وخاصة في جرائم الاغتصاب، رصدت الدراسة تمسك بعض الاحكام بتطبيق القانون القديم متغاضية على وجود الفصل 227 جديد كما وقع تنقيحه بمقتضى القانون الأساسي عدد 58 ويبدو ذلك على مستوى المصطلحات والعبارات المستعملة والتي لا يستوعبها الفصل 227 جديد.

أما عن العقوبات فإن الفصل 227 جديد ينص على عقوبة أصلية بـ 20 سنة سجنا وعقوبة مشددة بالسجن مدى الحياة لجريمة الاغتصاب بينما تتميز الأحكام الصادرة في حق المغتصبين وخاصة الأطفال بأنها لينة مقارنة بفظاعة الأفعال المرتكبة وآثارها على الضحايا كما أن هناك تطبيقا شبه آلي لأحكام الفصل 53 من المجلة الجزائية المتعلقة بظروف التخفيف وتمتيع المغتصبين بأحكامه نظرا لنقاوة سوابقهم العدلية وأخذا بالظروف الشخصية والاجتماعية. 

تصنف الدولة التونسية من بين تسع عشرة دولة وضعت قانونا لتجريم العنف المسلط على النساء، وقد جاء هذا القانون تتويجا لنضالات قامت بها الجمعيات النسوية المستقلة وخاصة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، لكن هذا النجاح يبقى محدودا لأن القانون لا يزال بحاجة إلى تدعيم حماية النساء من العنف المسلط عليهن والوصول إلى تطبيق المساواة بين النساء والرجال وتحقيق المواطنة.