تشهد البلاد التونسية أزمة اقتصادية خانقة تدفعها للتركيز على الاستثمار ليكون هو أحد منافذها للانتعاش والنهوض بأوضاعها على جميع الأصعدة.

إيمان الدولة التونسية بالأهمية الكبرى للاستثمار دفعها إلى أن يتضمن إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2021، التشجيع على دفع الاستثمار وترشيد تداول الأموال نقدا إضافة إلى الإصلاح الجبائي وعصرنة الإدارة.

شركة Repsol الإسبانية

في ذات الإطار قدمت شركة المحروقات الإسبانية “Repsol” طلبا للإطلاع على قاعدة البيانات ” data room” قصد القيام بدراسات حول إمكانية الاستثمار في المجال الطاقي في تونس، وفق ما صرح به المدير العام للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية، عبد الوهاب الخماسي لموزاييك.

ومن جانبه أوضح الاستشاري في استراتيجية الاستثمار، الصادق جبنون، في تصريح لـ”JDD”، أن عامل التنافسية سيكون المحدد الرئيسي للقرار المنبثق عن الدراسة التي ستقوم بها الشركة العالمية، والتي ستفضي للاستثمار في تونس أو اختيار دول أخرى على غرار المغرب الأقصى ومصر، وفق تقديره.

عوائق الاستثمار في تونس

وأكد الاستشاري في استراتيجية الاستثمار أن الهشاشة التي توجد في منظومة الاستثمار الأجنبي والمحلي بينت غياب الحريات الاقتصادية لتصنف تونس في المرتبة 22 أفريقيا و114 عالميا في مجال الحريات الاقتصادية.

وبين الصادق جبنون أن المنظومة البيوقراطية التي تعتمدها تونس أدت إلى ارتفاع نسبة الضغط الجبائي واختناق الاقتصاد التونسي وبالتالي تراجع نسبة الاستثمار العمومي والخاص لتبلغ حوالي 13 بالمئة، مقارنة بالمغرب الأقصى التي بلغت حوالي 26 بالمئة، ما أدى إلى غياب تونس تماما في تقرير المنظمة الدولية للاستثمار لسنة 2020.

وأكد الخبير الاقتصادي أن عدم اعتماد البلاد التونسية استراتيجية واضحة للاستثمار وفرضها لقيود ديوانية وإدارية دفع لنفور المستثمرين الأجانب والمحليين ما من شأنه أن يؤثر على نوعية الاقتصاد في تونس ليكون مبنيا بالأساس على التوريد في ظل غياب القيمة المضافة.

وفي ذات السياق اعتبر الخبير الاقتصادي، رضا قويعة، في تصريح لـ”JDD”، أن من أبرز عوائق الاستثمار في تونس تدهور الأوضاع الاجتماعية في البلاد على غرار الاحتجاجات والإضرابات إضافة إلى العوائق الإدارية والفساد المالي والإداري وعدم الاستقرار السياسي والقانوني، إلى جانب غياب مناخ لبعث مشاريعهم في تونس، ما دفع المستثمرين يغادرون تونس نحو بقية دول المغرب العربي مثل الجزائر والمغرب.

جلب الاستثمار

وأفاد رضا قويعة أن الوضع الاقتصادي في تونس يتطلب اتخاذ خطوات جدية لجلب الاستثمار من خلال الدعاية الديبلوماسية في الخارج واعتماد الدولة استراتيجة كاملة تقوم على خلق مناخ يستقطب المستثمرين الأجانب ويشجعهم على بعث مشاريعهم.

ودعا الخبير في الشأن الاقتصادي الدولة التونسية إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية لتذليل الصعوبات الإدارية والديوانية على المستثمر الأجنبي والمحلي لخلق فضاء مريح لبعث المشاريع التي من شأنها أن تحرك العجلة الاقتصادية وتوفر مواطن شغل.

شركات بترولية تغادر تونس

وفي الوقت الذي تسعى فيه شركات تعمل في مجال الطاقة ومتخصصة في أنشطة صناعات المنبع والمصب في جميع أنحاء العالم، على غرار شركة Repsol إلى الدخول إلى تونس، تستعد شركات بترولية عملاقة أخرى إلى بيع أصولها في النفط والغاز في تونس ومغادرة البلاد مثل شركتي ”شال” و ”إيني” الإيطالية، في الوقت الذي يواجه فيه البلد صعوبات في استقطاب استثمارات جديدة رغم الامتيازات التي تقدمها مجلة المحروقات لكافة الشركات العاملة في تونس، وفق وكالة ”رويترز”.

وأشارت الوكالة إلى تدهور أوضاع قطاع الطاقة في تونس على مستويين اثنين على الأقل متمثلين في عزوف الشركات البترولية العالمية عن الدخول في أي نوع من ”المغامرة” في استكشاف الطاقة في تونس وسعي ما تبقى من الشركات العاملة في تونس إلى مغادرة البلاد.

انخفاض عدد الاستثمارات مقارنة بسنة 2020

وتجدر الإشارة إلى أن نفور المستثمرين ومغادرة بعضهم تونس سيساهم في تراجع الاستثمارات وبالتالي تدهور الوضع الاقتصادي ككل بعدما سجلت ارتفاعا سنة 2020، حيث تعددت الاستثمارات المصرح بها لدى الهيئة التونسية للاستثمار إلى حدود شهر نوفمبر 2020، لتبلغ 49 مشروعا بقيمة استثمارية قدرت بـ 2008 مليون دينار وتنوعت هذه المشاريع  بين: 29 مشروعا في قطاع الصناعة بقيمة استثمارية بلغت 1011 مليون دينار من شأنها أن تساهم في إحداث 9021 موطن شغل.

إلى جانب 9 مشاريع في قطاع الطاقة المتجددة بقيمة استثمارية بلغت 471 مليون دينار بإمكانها إحداث 70 موطن شغل و8 مشاريع في قطاع الخدمات بقيمة استثمار بلغت 250 مليون دينار، بقدرة تشغيلية تقدر بحوالي 2282 موطن شغل إضافة إلى إحداث 3 مشاريع في قطاع السياحة بقيمة 277 مليون دينار وبطاقة تشغيلية تصل إلى 1072 موطن شغل.

في نفس السياق ارتفع حجم الاستثمارات في قطاع الكهرباء والطاقات المتجددة بنسبة 37.8 بالمائة منذ بداية السنة إلى موفى نوفمبر 2020 وذلك مقارنة بنفس الفترة من سنة 2019 حسب تقرير الهيئة التونسية للاستثمار، وفق ماذكره موقع businessnews.

في الوقت الذي شهدت فيه الاستثمارات في أغلب هذه القطاعات تراجعا ملحوظا في سنة 2021 بسبب تداعيات فيروس كورونا على البلاد.

ورغم أن الاستثمار يعد من أهم محركات الاقتصاد في تونس إلا أن الدولة التونسية لم تعتمد إلى غاية اليوم استراتيجية واضحة لتيسير عملية الاستثمار على الأجانب والتونسيين لتبقى الصعوبات الإدارية المعتمدة من طرف الدولة سببا من أسباب نفور باعثي المشاريع وعزوفهم عن الاستثمار في تونس.