احتل العنف المعنوي صدارة أشكال العنف ضد الأطفال في تونس في السنوات القليلة الماضية، حيث يتعرّض 80 بالمائة من الأطفال إلى العنف بمختلف أشكاله سواء الأسري أو المدرسي أو في الشارع لتمثل العائلة المصدر الأول للعنف على الأطفال، وفق عدد من المختصين في الطب النفسي.

المشاكل الأسرية

ومن أهم أسباب الخلافات الأسرية الضغوط والمشاكل الاقتصادية المتمثلة في عدم القدرة على تأمين احتياجاتها واحتياجات أبنائها مما يخلق صراعات ومشاكل بين الزوجين، هذه الخلافات تنعكس على حيوية الأسرة وفاعليتها وإنتاجها، كما تنعكس على سلامة الأطفال من الناحية النفسية والجسدية.

ويمكن تصنيف هذه المشاكل إلى مشاكل نفسية ومشاكل اجتماعية واقتصادية وصحية ومشاكل الأدوار الاجتماعية.

غياب الرقابة

من جانبها قالت المختصة في علم النفس الاجتماعي، هاجر النيال، في تصريح لـ”JDD”، إن الأسرة التي تعتبر قدوة للطفل ومنبعا يستمد منه التربية وحسن التصرف باتت اليوم تعيش تغيرات كبرى وذلك تأثُّرًا بالوضع الاجتماعي العالمي، مما من شأنه أن يجعل الطفل غير قادر على أن يستمد الضوابط الاجتماعية من العائلة.

وبينت النيال أن عدم استقرار الأسرة وعدم ثباتها وتفككها في ظل غياب الأب أو الأم تدفع الطفل للوجوء إلى تلقي معلومات من الآخر دون وجود رقابة أو إحاطة، موضحة أن تفكك الخلية الأسرية وغياب الحوار والتواصل يجعل الأطفال يتخذون من العالم الخارجي ومواقع التواصل الاجتماعي منبعا لتلقي تربية غير سليمة، وفق قولها.

اللُّجوء إلى الشارع

وأكدت ”هاجر النَّيال” أن غياب التواصل وغياب الإصغاء النَّشيط داخل الأسرة التي أصبحت تتكل على الوسط التربوي وتلقي مسؤولية تربية أطفالها وتعليمهم على الآخر تفقد الأطفال ثقتهم بأنفسهم وتجعلهم غير قادرين على التواصل مع الآخرين، على حد قولها.

في ذات السياق، قال المختص في علم الاجتماع، فؤاد الغربالي، في تصريح لـ”JDD”، إن المشاكل والخلافات الأسرية من شأنها أن تؤثر سلبا على سلوكات الأطفال باعتبارهم من الفئة الأكثر هشاشة، حيث يصبح الطفل عنيفا ومنطويا على ذاته وغير قادر على التأقلم مع الآخرين وخاصة زملائه داخل المدرسة.

وأوضح الغربالي أن المناخ السّيء الذي يعيش فيه الأبناء من شأنه أن يهدد طفولتهم ويؤثر على سلوكهم داخل المؤسسة التربوية ويشكل لديهم اضطرابات نفسية في ظل غياب المؤسسات الحاضنة أوالجمعيات وغيرها من المؤسسات المؤطرة للأطفال مما يقودهم إلى الانحراف والانطواء على الذات.

الاكتئاب

وفي ذات الإطار قال الأخصائي النفسي، محمد السندي، في تصريح لـ”JDD”، إن الخلاف داخل الأسرة أمر طبيعي وعادي لكن هذه الخلافات تنقسم إلى درجات حيث تحدد بكيفية التصرف والتعامل معها، فتتوصل بها العائلة أحيانا إلى الاتفاق وإيجاد الحلول وفي معظم الأحيان تصل إلى حد الطلاق، وفق تعبيره.

وبين محمد السندي أن المشاكل الأسرية التي تتسم بالعنف وبالشدة تؤدي إلى كسر الصورة التي يحملها الابن عن الوالدين اللَّذين يعتبران قدوة له في الحياة، فيلتجئ إلى العنف في علاقته بأصدقائه اعتقادا منه أنه الحل الأمثل لحل جميع مشاكله، مضيفا أن ممارسة العنف أمام الأطفال سيؤثر تأثيرا كبيرا على حياتهم العاطفية ويؤدي بهم إلى الاكتئاب الذي سيتسبب بدوره في جعل الطفل غير قادر على التواصل مع أصدقائه وغير قادر على التعلم، فتهتز ثقته بنفسه وتجعله غير قادر على الشعور بالامتان وفي بعض الأحيان تدفعه للانتحار، وفق قوله.

وأوضح الأخصائي النفسي أن هذه العوامل جميعها تؤدي بالطفل إلى الانسحاب من الحياة الاجتماعية فيقطع مع كل ماهو عمل جماعي ويلجأ إلى الشارع الذي يعد حاضنة للسلوكات المحفوفة بالمخاطر، فيستمد منه تربية غير سليمة تدفعه لأن يكون بيئة خصبة للإرهاب والإجرام والمخدرات، على حد قوله.

تعد الخلافات الأسرية من أكثر العوامل التي تخلق شخصية سلبية غير محبة للحياة وفريسة سهلة لشارع مليء بالمخاطر، فالعلاقات التي تتضمن الإيذاء اللفظي أو الجسدي لها تداعيات سلبية وخطيرة على الأطفال وعلى سلامتهم النفسية أيضا.