كشف تقرير لصحيفة “لوبوان” الفرنسية أنّ 20 عائلة فقط تهيمن على مفاصل الاقتصاد التونسي، في ظل قوانين ولوائح تضفي الطابع المؤسسي على ثقافة الاحتكار، ما تسبب في إبقاء الوضع على ما هو عليه طوال السنوات الماضية.

السفير الأوروبي يثير الملف “مؤقتا”

أسال تصريح لسفير الاتحاد الأوروبي بتونس باتريس بيرغاميني سنة 2019، الكثير من الحبر والتصريحات المنددة من جهة رجال الأعمال، والمثمنة من قبل المنظمات المتابعة للشأن الاقتصادي والاجتماعي في تونس، لكن هذا الجدل لم يدم طويلا ولم يستغل إلاّ حيزا زمنيا ضيقا على بلاتوهات القنوات التونسية.


باتريس بيرغاميني


ففي حوار أجراه مع صحيفة لوموند الفرنسية، قدّم السفير الأوروبي قراءة سلبية لاقتصاد “مهد الربيع العربي”، وقال إن الثروة تتركز في أيدي عائلات معينة ترفض المنافسة وتوشك أن تقضي على مكتسبات الثورة.

وصرّح بيرغاميني أن عائلات بعينها تتحكم في مفاصل الاقتصاد الوطني التونسي، بالإضافة إلى أن هناك مجموعات احتكارية تعيق المنافسة العادلة والشفافة، معتبرا أن الانتقال الاقتصادي في تونس لم يتحقق بعد، وأن الثروة تزداد تركزا في أيادي عائلات دون غيرها، وأنها توشك على الإجهاز على ما حققه الانتقال الديمقراطي سياسيا.

القطاع البنكي.. صندوق الفساد الأسود

يوجد في تونس 23 بنكا، وهو عدد كبير في دولة يبلغ عدد سكانها أقل من 12 مليون نسمة، وتتحكم الدولة في جزء كبير من رأس مال هذه المؤسسات، بالإضافة إلى عدد محدود من العائلات المتنفذة.

لكن العدد الكبير من البنوك في تونس لا يعد دليلا على تطور الاقتصاد والانفتاح على المنافسة، وهذا ما يدركه كل من يتعامل مع هذه المؤسسات، حيث يُعتبر النظام المصرفي نظاما عائليا مغلقا ويشكل عاملا معرقلا للمنافسة الاقتصادية الحرة، حسب “لوبوان”

ورغم أن الدولة التونسية تمتلك نصيب الأسد في عدد من المؤسسات البنكية (71 بالمائة من رأس مال الشركة التونسية للبنك و58 بالمائة من رأس مال بنك الإسكان)، فإن السيطرة الفعلية على النظام المصرفي تبقى -وفقا لكاتب المقال- بيد العائلات المهيمنة التي تتبادل المكاسب والقروض وتسيطر على مفاصل الاقتصاد، بينما تقدم الدولة القروض أساسا للمؤسسات العمومية، وهو ما لا يساعد كثيرا في دفع عجلة الاقتصاد.



وفي تصريح أثار جدلا واسعا، أكّد المقرر لجنة الاصلاح الإداري ومكافحة الفساد بالمجلس الوطني التأسيسي، النائب عن حركة النهضة، نجيب مراد، أنّ 126 رجل أعمال تحصّلوا على حوالي 7 آلاف مليون دينار من البنوك العمومية زمن حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي دون إرجاعها.

زواج المال بالسلطة خلال فترة حكم بن علي نتج عنه تأثير وتحكم الأول بالقرار السياسي، وخلق ازدواجية على مستوى تركيبة المجتمع التونسي بين طبقة محدودة تزداد ثراءً وقطاعات واسعة تعاني التهميش.

يشار إلى أنّ تونس حلّت في المرتبة 74 من أصل 180 بلدًا مصنفًا في مؤشر مدركات الفساد للعام 2019 الصادر عن منظمة الشفافية العالمية، لتتأخر بذلك بمرتبة وحيدة عن تصنيف العام الفارط، رغم محافظتها على نفس عدد النقاط، 43 من أصل مائة نقطة في المؤشر (يقلّ الفساد كلما زادت أعداد النقاط)، وأرجعت منظمة الشفافية الدولية تأخر تونس في مؤشر مدركات الفساد إلى غياب الإرادة السياسية التي تجلّت في تواصل ظاهرة الإفلات من العقاب، وتواصل ظاهرة انتقائية تحريك ملفات الفساد، وعدم تطبيق قانون حماية المبلغين.