الدكتور الصحبي بن فرج

ينزلق البلد تدريجيا نحو الإفلاس وسط مناخ من التسليم بعجز الحكومة الحالية عن تقديم تصوّر للحل وضمن قناعة بأن شركاءنا في الخارج قرروا إنهاء الفسحة: لا سبيل لإقراض تونس الا بعد وقف العبث السياسي الرسمي وإطلاق قطار “الاصلاحات” : خفض كتلة الأجور، رفع الدعم، رفع أسعار الطاقة وإصلاح المؤسسات العمومية، تخفيض قيمة الدينار أي ببساطة كل ما كنا نتفادى القيام به طيلة عشر سنوات 

دون ذلك لن نتمكن من إغلاق ثغرة ال20  مليار دينار الواردة في ميزانية 2021، وفي جميع الحالات نحن مقبلون على ربيع ساخن وقد يتحول الى ربيع حارق

كانت حركة النهضة تراهن على مسيرة 27 فيفري للدخول في المفاوضات الجارية في الكواليس من موقع القوة لتصطدم برد تصعيدي من الرئيس: لا تفاوض ولا حوار الا بعد استقالة المشيشي وعودة الأمر اليه ليعيّن من يشاء على رأس الحكومة القادمة.

تريد النهضة أن تتخلص من عبئ الحكومة الحالية وخاصة من خطر إنفجار الوضع وإنهيار الاقتصاد وهي في واجهة السلطة بوصفها الحزب المساند للحكومة  وهو ما لن تستطيع تحمل عواقبه،

خلف دخان التصعيد اللفظي والاعلامي والميداني  كان الوسطاء يتلقون إشارات  الحركة باستعدادها للتخلي عن المشيشي شرط الاتفاق المسبق مع قيس سعيد على خليفته وذلك سواء بسحب الثقة منه أو إستقالته مع حفظ مكانته قدر المستطاع،

جاء تصريح نور الدين الطبوبي حول إشتراط قيس سعيد إستقالة المشيشي قبل الحوار كإعلان بأن خلافة المشيشي قد مرت من مرحلة الكواليس والتلميح الى مرحلة الاعلان والتصريح وأن لحظة الحسم قد اقتربت

إنتظر هشام المشيشي  يومين قبل أن يخرج عن تحفظه ويتحدى بصفة مباشرة رئيس الدولة: لن أستقيل … بما يعني بأن جهود الكواليس قد فشلت وأن مواقف حركة النهضة ورئيس الدولة لم تتزحزح: النهضة تصرّ على المشاركة في اختيار خليفة المشيشي والرئيس يصرّ على أن يختار منفردا والمشّشي يصر على عدم الاستقالة

عدنا إذًا الى النقطة الصفر والى المأزق السياسي والدستوري ولكن الأزمية المالية تتفاقم يوما بعد يوم وتلقي بظلالها على المشهد …… وهذا يعني أن فشل مسار التسوية سيفسح المجال بالضرورة لسيناريو بديل يستوي بعيدا عن الأنظار : تسلّم حركة النهضة الى رئيس الدولة عبر وسطاء قائمة مرشحين لخلافة المشيشي، فإن رفض (كما تتوقع وتراهن النهضة)  تزكية إسم من بينها وأصر على مطلب الاستقالة ولا شيء غيرها، فسيَمضي مجلس نواب الشعب الى صياغة لائحة سحب ثقة من هشام المشيشي معلّل باستحالة تواصل عمل الحكومة في مثل هذه الضروف وذلك طبقا للفصل 97 من الدستور، ويتم إعلان إسم رئيس الحكومة القادم الذي سيقوم بتشكيل حكونة إنقاذ وطني تحضى بإسناد برلماني واسع، ودعم من المنظمات الوطنية وترحيب من المؤسسات المالية الدولية المانحة.

سيوضع الرئيس حسب هذا السيناريو أمام خيارين أحلاهما مر: إما الاعتراض وخرق الدستور و”تعطيل مصالح الشعب” بكل ما يعني ذلك من تداعيات وإما التسليم وقبول الامر الواقع بكل ما يعني ذلك من ضرب لصورته ومكانته.

ومن البديهي أنه سيتم ربط مصير لائحة سحب الثقة من راشد الغنوشي بمفاوضات سحب الثقة من الحكومة الحالية ومشاركة الكتل والاحزاب في الحكومة القادمة ضمن أتفاق واسع قد يغير التحالفات والتوازنات  رأسا على عقب  

هذا بعض ما يدور في كواليس المجلس والحكومة والأحزاب ليبقى التساؤل الأهم : ماذا يدور في عقل قيس سعيد؟ هل سيكتفي بنصف إنتصار(إزاحة المشيشي) أم سيواصل المعركة منفردا الى النهاية؟ ماهي أوراقه الخفية؟ كيف سيتصرف؟ وفق أي آليات؟

الأيام القادمة ستكون حبلى بالأحداث