عرّت حادثة وفاة شاب بالسجن المدني بصفاقس، واقعا مريرا حول وضعية مراكز الإيقاف والسجون، ومعضلة الإهمال الطبي داخلها مقابل تكريس سياسة الإفلات من العقاب.
وتوفي الشاب عبد السلام زيان، البالغ من العمر 30 عاما يوم 3 مارس 2021 بعد تعكر حالته الصحية بسجن إيقافه بصفاقس، قبل أن يصل إلى المستشفى جراء عدم حصوله على جرعة الأنسولين، لفترة تناهز اليومين.
وتم إيقاف الهالك وشقيقه، بتهمة خرق قانون حظر الجولان، بالإضافة إلى “هضم جانب موظف عمومي بالقول والتهديد حال مباشرته لوظيفته” بعد حصول مشادة مع أعوان الأمن، ووفق ما ذكره الناطق الرسمي باسم محاكم صفاقس، مراد التركي في تصريح لـ”JDD” اليوم الخميس 4 مارس 2021.
النيابة تفتح تحقيقا
وأضاف التركي أن النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بصفاقس 1، أصدرت بطاقتي إيداع بالسجن في حق الهالك وشقيقه، وتمت إحالتهما على محكمة الناحية لمقاضاتهما من أجل الجريمتين، لكن الحالة الصحية لأحد الشقيقين قد تعكرت يوم 2 مارس 2021، حيث كان يعاني من مرض السكري ويتعاطى حقن الأنسولين ورغم الإسعافات الأولية التي قدمت له في إدارة السجن والمركز الطبي إلا أنه توفي إثر نقله لمستشفى صفاقس.
وتولت النيابة العمومية بالمحكمة الإبتدائية بصفاقس 2 أمس الأربعاء، فتح بحث تحقيقي، حول ظروف وملابسات وفاة الشاب المذكور منذ يوم 2 مارس 2021، طبق الفصل 31 من مجلة الإجراءات الجزائية، فيما تعهد قاضي التحقيق بنفس المحكمة بالبحث في الموضوع، في حين أذن بإيداع جثة الهالك على ذمة الطبيب الشرعي لتشريحها، وتحديد تاريخ الوفاة وساعتها وأسبابها.
وقد تم في المقابل الإفراج عن الشقيق الثاني، من سجن إيقافه بعد عرضه على قاضي محكمة الناحية، فيما لا تزال الأبحاث جارية في الموضوع في انتظار نتيجة تقرير الطبيب الشرعي.
تقصير موجود!
ووفق ما أكدته الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، تم إيقاف الشقيقين خلال طريق العودة من منزل أقاربهم، بسيدي منصور على الساعة السابعة و45 دقيقة من مساء الأحد، على الطريق الحزامية على متن سيارة صحبة 3 أشخاص من أقاربهما، وإثر وقوع مناوشة بين الأخ الأصغر وأحد الأعوان أصرّ العون على إيقافه فرافقه الأخ الأكبر عبد السلام (الهالك) وتم الاحتفاظ بهما في مركز المدينة، حيث قضيا الليلة وتم حينها الاعتداء عليهما ومنع الهالك من تلقي جرعة الأنسولين، وفي صباح اليوم التالي تم نقلهما إلى مركز الشيحية، حيث تم تحرير محضر، أحيلا بموجبه على النيابة العمومية التي مددت الاحتفاظ بهما، ليقضيا ليلة ثانية بمركز المدينة وتعكرت خلالها الحالة الصحية للهالك، ليتم نقله على إثر ذلك إلى المستشفى لكن لم يتم تمكينه من الأنسولين رغم إلحاحه.
وأضافت الرابطة أنه وفي صباح اليوم التالي أصدر مساعد وكيل الجمهورية، بالمحكمة الابتدائية صفاقس 1 بطاقتي إيداع بالسجن في حق الشقيقين، ولم يولي اهتماما بظروف الاحتفاظ، ولا بالحالة الصحية للمتوفى، تطبيقا للفصل 13 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية، كما أنه ورغم علم المشرفين على مركزي المدينة والشيحية، والمشرفين على الإيقاف التحفظي بالسجن، بأن المتوفى في حاجة إلى جرعات الأنسولين وتعكر حالته الصحية، ورغم تسلمهم حقنتي أنسولين من العائلة إلا أنهم امتنعوا عن تسليم الهالك جرعة الدواء.
وتعكرت حالة عبد السلام في السجن وأصبح يتقيأ الدم، ليتم نقله إلى المستشفى وفق الرابطة التي رجّحت وفاته قبل الوصول إلى المستشفى.
وحمّلت الرابطة المسؤولية إلى وزارتي الداخلية والعدل مشددة على أنها ستتتبع الجناة بصفتها ونيابة عن عائلة الضحية.
الإدارة العامة للسجون تنفي التقصير
من جهته أكد الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للسجون والإصلاح سفيان مزغيش، في تصريح لـ”JDD” أن السجن المدني بصفاقس اتخذ كافة الإجراءات اللازمة في علاقة بالسجين الهالك، نافيا أن يكون هناك أي تقصير من قبل إدارة السجن، في التعامل مع الحالة الصحية للسجين المذكور.
وأضاف أنه تم عرض النزيل بالسجن المدني بصفاقس، على ممرض المؤسسة لدى وصوله كما تم إعطاؤه حقنة الأنسولين وإيداعه بزنزانة مع شقيقه الموقوف معه مشيرا إلى أن الممرض تابع حالته الصحية، قبل أن تتعكر صباح أمس الأربعاء ويتم نقله إلى المستشفى قبل أن يفارق الحياة مبينا أن التحقيق جار للكشف عن ملابسات الوفاة.
إهمال متعمّد وإفلات من العقاب
من جهته أشار المدير التنفيذي لمرصد الحقوق والحريات، مروان جدة في تصريح لـ”JDD” إلى أن الإهمال الطبي في السجون ومراكز الإيقاف متعمد وأن هناك مشاكل في إيصال الأدوية للسجناء، خاصة الجدد منهم في ظل إصرار إدارة السجون على نفي ذلك.
وذكر المتحدث بأنه تم تسجيل حالات مماثلة، حيث رفض في وقت سابق تمكين سجين من دواء الأعصاب، بالرغم من معاناته مع مرض عقلي، ليفارق الحياة نتيجة الإهمال وفق تقديره.
واستنكر المتحدث طريقة الإيقاف، وتسرع القضاء في إيداع الأشخاص بالسجن، بناء على تهم تافهة، على غرار خرق حظر الجولان، والحال أنه كان ينبغى أن تكون العقوبة خطية مالية، ولا تستوجب حكما بالسجن، وفي صورة وجود تهم أخرى بالإمكان محاكمة الأشخاص، في حالة سراح والتأكد من حقيقة التهم الموجودة.
واعتبر مروان جدة أن تواصل مثل هذه الممارسات، وتلفيق التهم للأشخاص يمهد لعودة ممارسات “دولة القمع”، التي قال إنها في الواقع لم تتوقف، والسبب يعود أساسا إلى سياسة الإفلات من العقاب، ففي كل مرة تقع فيها حادثة مشابهة، يتم فتح تحقيق دون أن تتم معاقبة المقصرين، مشيرا إلى أن هذه الممارسات ستتكرر في عديد المناسبات، نظرا لغياب الجانب الردعي.