أثارت مسألة نقل مادة الفحم البترولي عبر نفس الشاحنات التي يتم بواسطتها نقل مادتي الشعير والقمح غضب رواد مواقع التواصل الاجتماعي خاصة وأن هذه المادة صنفت على أنها خطيرة وسامة ومن شأنها أن تهدد سلامة المواطنين وأمنهم الغذائي.

نقل مواد سامة في ظل صمت الولاية

وفي ذات الإطار قال رئيس بلدية قابس، حبيب الذوادي، في تصريح لـ”JDD”، إنه تم على إثر انعقاد جلسة استثنائية سنة 2019، التوصل إلى اتخاذ قرار يقضي بمنع تنزيل وشحن ونقل واستعمال مادة الفحم البترولي وذلك لخطورة هذه المادة على حياة الإنسان، وفق قوله.

وبين حبيب الذوادي أنه تم خلال الجلسة التي عقدت ببلدية قابس بحضور عدد من مهندسي ودكاترة المدرسة الوطنية للمهندسين، تقديم عرضين، الأول يتعلق بمكونات هذه المادة ومدى خطورتها والثاني يتعلق بالتجربة العالمية، وقد أوصى العرضان بضرورة عدم استيراد هذه المادة، إلاّ أن الولاية لم تنفذ هذا القرار رغم احتجاج البلدية والمجتمع المدني.

وأوضح رئيس بلدية قابس أن نقل مادة الفحم البترولي المصنع من الفضلات البترولية والمستورد من أوروبا، يتم بواسطة شاحنات مخصصة كذلك لنقل مواد أخرى على غرار القمح والشعير، ليتم استعمالها فيما بعد في عملية الحرق داخل مصانع الإسمنت، مؤكدا خطورة هذه المادة على المتساكنين من ناحية الغبار المنبعث منها والضار بالجهاز التنفسي، وبيّن أن سقوط قطع من هذه المادة على الطريق من شأنه أن يتسبب في انزلاقات.

وأشار الذوادي إلى أنه عند حرق مادة الفحم تخرج منه غازات سامة، محملا المسؤولية للولاية التي قال إنها لم تتحرك ولم تنفذ القرار الذي صدر عن البلدية رغم شدة خطورة هذه المادة على صحة المواطنين، وفق تعبيره.

عملية تسميم جماعية

من جانبه أفاد رئيس لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام بالبرلمان، النائب بدر الدين القمودي، في تصريح لـ”JDD”، بأنه تم منذ حوالي يومين نقل مادة الفحم البترولي أو ما وصفه بـ”السم الأسود” إلى مصانع الأسمنت عن طريق شاحنات مخصصة لنقل القمح والشعير، مشيرا إلى أن هذه العملية تكررت رغم احتجاج بلدية قابس ونشطاء بالمجتمع المدني على هذه السلوكيات التي تشكل تهديدا للأمن الغذائي التونسي إلا أن السلطة الجهوية واصلت تجاهلها بالسماح بإنزال هذه المادة في ميناء قابس، على حد قوله.

وقال القمودي إن هناك شكوكا كثيرة تحوم حول هذا الملف وأن كل المعطيات تشير إلى وجود شبهة فساد في هذه الصفقة محذرا مما وصفه بـ”الكارثة الصحية والجريمة الدولية التي تقع في تونس وعملية التسميم الجماعية دون وجود حسيب أو رقيب”،وفق تعبيره.

واعتبر النائب بالبرلمان أن الدولة التونسية لا تريد أن يقتصر الضرر على ولاية قابس فحسب، بل سعت إلى تكريس العدالة بين الجهات من خلال توفير شاحنات عاملة مع ديوان الحبوب لنقل الشحنة الأخيرة لهذه المادة التي وصفها بالسامة، ما من شأنه أن يلوث المادة الأولية لغذاء الشعب التونسي، وفق تعبيره.

الميناء التجاري بقابس

في المقابل، أوضح مدير الميناء التجاري بقابس، خميس الورفلي، في تصريح لـ”JDD”، أنه تم وفقا لدراسة قامت بها شركات أسمنت قابس، مصادقة وزارة الصناعة بمشاركة ممثلين عن وزارة الشؤون المحلية والبيئة، على قرار توريد مادة الفحم البترولي عبر الميناء المذكور، المؤهل لتوريد كل البضائع المرخص لها من قبل السلط المعنية، على حد قوله.

أما بخصوص نقل مادة الفحم بنفس الشاحنات التي يتم استعمالها في نقل مادتي الشعير والقمح، فقد بيّن الورفلي أن ديوان الحبوب لا يمنح ترخيصا للشاحنات قبل أن يقوم بعملية معاينة للتأكد من نظافتها وتعقيمها.

وأفاد خميس الورفلي بأن الميناء وشركات أسمنت قابس قاما بتقديم اعتراض على قرار البلدية لدى المحاكم وطالبا بإلغائه نظرا لأن عملية استيراد هذه المادة ونقلها واستعمالها تم بترخيص من سلطة الإشراف، وفق قوله.

وأجمعت عديد الأطراف على خطورة استيراد مادة الفحم البترولي ونقله بواسطة شاحنات يتم من خلالها أيضا نقل مادتي الشعير والقمح، ما من شأنه أن يهدد صحة المواطنين وسلامتهم، في ظل تأكيدات الأطراف الموردة لهذه المادة على حصولها على تراخيص من سلطة الإشراف ما أثار مخاوف لدى المواطنين وغضب المجتمع المدني وبلدية قابس.