توفّي أمس السبت 13 مارس 2021، 5 عمّال بأحد مصانع الإسفلت قرب المجمع الكيميائي بقابس، الذي يمثّل خطرا على صحّة متساكني الجهة إلى جانب عدّة مدن تونسية أخرى، أصبح سكانها يستنشقون الغازات ويشربون مياها ملوثة أدت إلى حالات وفاة بسبب السرطان وولادة أطفال بتشوهات خلقيّة.

“جريمة بيئية”


تواصلت الاحتجاجات في قابس لسنوات للمطالبة بغلق مصب الفوسفوجيبس الذي تسبب في كارثة بيئية وصحية عادت بالضرر على أهالي المنطقة، والفوسفوجيبس مادّة كيميائية تتمثّل في النفايات التي تنتج بعد تحويل الفسفاط الطبيعي لإنتاج الحامض الفوسفوري، ونظرا لاحتوائها على شوائب وإشعاعات نووية، تتسبّب هذه المادّة أينما وجدت في إخلال بيئي كبير يهدّد بقاء الكائنات الحيّة.

وتفيد دراسة أعدتها المفوضية الأوروبية سنة 2016 حول أثر التلوّث الصناعي على الاقتصاد بجهة قابس، أنّ وجود مادّة الفوسفوجيبس في البيئة البحرية قد غيّر بشكل كبير النظم الإيكولوجية في محيط المنطقة الصناعية، وتعتبر الدراسة صبّ فضلات الفوسفوجيبس بأنّه أحد الأضرار الرئيسية، إن لم يكن أكثرها أهميّة، في علاقة بقيمة تأثيرها على البيئة بمنطقة قابس ولا سيّما ساحلها.

كما يبيّن بحث علمي حول الانعكاسات الاقتصادية لتقلّص مروج نبات “الذريع البحري” Posidonia Oceanica، جراء التدخل الإنساني، على قطاع الصيد البحري الساحلي في خليج قابس بين سنتي 1990 و2014، تسبُّب إلقاء مادة الفوسفوجيبس في الخليج بتراجع ملحوظ لمساحات “مروج الذريع” بنسبة 88.6 بالمائة.

وتسبب هذا التراجع في تحوّل النظام الإيكولوجي البحري في قابس من نظام تغلب عليه الأسماك القاعية ذات القيمة الاقتصادية العالية إلى نظام تسيطر عليه الأسماك السطحية ذات القيمة الاقتصادية المنخفضة.

وقدّر البحث الخسائر المتراكمة للقطاع البحري بـ 2475 مليون دينار خلال الفترة ذاتها، وتمثل هذه الخسائر 43 بالمائة من القيمة المضافة لمصانع المجمع الكيميائي في قابس و24 بالمائة من نفس القيمة لكل مصانع هذه الشركة في تونس.

وأكّد منسق حركة “أوقفوا التلوث” خير الدين دبية لـ”JDD”، أن انتصاب المجمع الكيميائي فُرض على سكان المنطقة غصبا حيث لم يتمكوا من التحرك لإيقاف الجريمة خلال حكم الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، وفق قوله

وأضاف أنّ الدولة واصلت في “إجرامها” إلى حدود سنة 2011، عندما طالب المجتمع المدني في قابس بنقل المجمع إلى مغاسل الفسفاط في قفصة فاقتحرت الحكومة حينها نقل المجمع من شط السلام إلى منطقة منزل حبيب في قابس فرفض سكانها هذا المقترح وتم تنفيذ إضراب عام ووقفقات احتجاجية متتالية في قابس وأمام مقر مجلس نواب الشعب.

لعنة الفسفاط في الحوض المنجمي

ذكرت رئيسة منظمة “سند”، نوارة بالضيف، في اجتماع استشاري حول مخاطر إنتاج الفسفاط في مدن الحوض المنجمي أن 7 بالمائة من الأطفال في منطقة المظيلة ولدوا حاملين لعيوب خلقية بسبب تعرض النساء إلى مادة الأورانيوم الموجودة في رواسب الفسفاط”.

وقال المختص في البيئة وعلم المناخ حمدي حشاد لـ”JDD”، إن نشاط شركة فسفاط قفصة يقوم على استغلال المياه الجوفية بكامل الولاية مشيرا إلى أنها تستغل 11 مغسلة لدعم الفسفاط بطاقة جملية تقدر بحوالي 805 مليون طن من الفسفاط التجاري سنويا في حالات الإنتاج العادية، مع العلم أنّ واحد طن من الفسفاط الخام تتم معالجته بما قيمته 1800 لتر من المياه في الساعة.



وأوضح أن هذا يعتبر استنزافا للطاقة المائية بالجهة مما أثر على نوعية المياه التي يستهلكها أهالي الجهة لاحتوائها على رواسب كيميائية خطيرة تتسبّب في أمراض سرطانية وجلدية قاتلة.

ووفق ما جاء في دراسة “الماء العدالة الاجتماعية بالحوض المنجمي” فإن شركة فسفاط قفصة تستغل سنويا حوالي 72 بالمائة من الموارد المائية الجوفية العميقة لمنطقة الحوض المنجمي المقدرة بحوالي 25.1 مليون م3 في السنة وحوالي 48 بالمائة من الموارد المائية الجملية للمنطقة.

ويقع استغلال هذه الموارد من طرف شركة فسفاط قفصة عبر 18 بئرا عميقة موزعة إلى 04 آبار بمعتمدية أم العرائس و03 أبار بمنطقة الطرفاية بالرديف و06 آبار بمنطقة البركة وبئرين بالسقي و 03 آبار بالقويفة.