يشغل موضوع حصانة رئيس الجمهورية من جهة، ومسؤوليته من جهة ثانية مكانة بارزة في الفكر السياسي والقانوني، لأنه يجمع بين طرفي نقيض ويحاول التوفيق بينهما.

فبعد نجاح الدولة التونسية في فصل السيادة والسلطة عن شخصية الحكام لم يعد مستساغا الحديث عن حصانة رئاسية مطلقة، بل من الضروري إدراك أهمية إقرار الدستور بحصر صلاحيات رئيس الجمهورية، وعدم المبالغة في توسيع نطاق الحصانة تجنبا للأنظمة التي تجعل الرئيس فوق القانون.

الحصانة والدستور

ضبط الدستور اختصاصات رئيس الجمهورية، إذ أنه يمثل الدولة ويختص برسم السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية، وذلك تبعا للفصل 77 من الدستور.

كما يتبين من خلال أحكام الدستور ونظرا لأحكام الفصل 87، أن الحصانة التي يتمتع بها رئيس الجمهورية طوال توليه الرئاسة، وتعلق في حقه كافة آجال التقادم والسقوط، ويمكن استئناف الإجراءات بعد انتهاء مهامه، ولا يسأل رئيس الجمهورية عن الأعمال التي قام بها في إطار أدائه لمهامه.

إن موضوع الحصانة التي يتمتع بها رئيس الجمهورية يحتاج إلى توضيح حتى لا يتبادر إلى الذهن أن رئيس الجمهورية لا يكون موضوع تتبعات قضائية ولا يساءل بصفته تلك، مما يستدعي إبداء بعض الملاحظات لتوضيح مضمون الفصل 87 من الدستور لتحديد مجال الصحافة ومداها، يضع الدستور مبدأ عدم مسؤولية الرئيس بصفته تلك، وقد جاء هذا المبدأ بشكل عام ومطلق بحيث لا يمكن إثارة المسؤولية الجزائية لرئيس الجمهورية لأي سبب سواء كان بسبب الأعمال التي قام بها في إطار أداء مهامه، وحتى بسبب الأفعال التي ارتكبها خارج ذلك، أو التي يكون قد اقترفها قبل انتخابه لمنصب رئيس الجمهورية، وفي الفترة الفاصلة بين انتخابه وأدائه لليمين الدستورية.

إن امتيازات الدستور لرئيس الجمهورية لا تنفي التتبعات ولا تمحي الجريمة الخاصة عن نهاية المدة، حيث يفقد الشخص الذي يتولى مهام الرئاسة الحماية القانونية في إطار الحصانة ويصبح الشخص عاديا مرة أخرى، فالحصانة لا تمحي الجريمة وإنما توقف التتبعات إلى حين انتهاء المدة الرئاسية.

حصانة في ظل غياب المحكمة الدستورية

تعتبر المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلة، ضامنة لعلوية الدستور وحامية للنظام الجمهوري الديمقراطي وللحقوق والحريات، وفق ما ورد في الفصل الأول من قانونها الأساسي.

وتمثل المحكمة الدستورية قطرا محوريا هاما في الحياة السياسية بشكل عام، وعليه فإنها الضامن الحقيقي لهرمية الدستور وشرعية القوانين، ولكن في حال غيابها، من يتولى الأعمال التي كرستها الفصول القانونية لتطبيقها، خاصة فيما يتعلق برئيس الجمهورية؟

في تصريح لأستاذة القانون الدستوري منى كريم الدريدي لـ “JDD” قالت إن الحصانة لها دور كبير لكل من النواب ورئيس البرمان ورئيس الجمهورية، فهي تسمح لهم بأداء مهمامهم بعيدا عن كل الضغوطات التي من شأنها أن تعطل سير عملهم، وأضافت أن هناك استثناء يقع فيه رفع الحصانة عن رئيس الجمهورية وهي حالة الخرق الجسيم للدستور وتتم عبر إجراءات ضبطها الدستور تحديدا في الفصل الفصل 88 الذي يقول إنه “يمكن لأغلبيّة أعضاء مجلس نوّاب الشّعب المبادرة بلائحة معلّلة لإعفاء رئيس الجمهوريّة من أجل الخرق الجسيم للدّستور ويوافق عليها المجلس بأغلبيّة الثّلثين من أعضائه وفي هذه الصّورة تقع الإحالة إلى المحكمة الدّستوريّة للبتّ في ذلك بأغلبيّة الثّلثين من أعضائها”.

وأقرت في هذا السياق أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي لـ “JDD” أن سحب وكالة رئيس الجمهورية بالأغلبية المطلقة يصادق عليها ثلثا أعضاء المجلس في تهمة وحيدة وهي الخرق الجسيم للدستور ويتم تشخيص الجرم المنسوب لرئيس الجمهورية من طرف القضاء الدستوري وهو طرف محايد، وأضافت أنه ما إذا لم تتواجد المحكمة الدستورية، فإنه لا يتم عزل الرئيس بأي صورة كانت”.

وتبعا لذلك، تبقى عدة تساؤلات تراود المراقبين للشأن المحلي التونسي، في ظل غياب المحكمة الدستورية، من يحاسب رئيس الجمهورية في حال ارتكابه لخروقات أو تجاوزات دستورية؟ وهل سيكون لإرساء المحكمة الدستورية دور هام في الساحة السياسية والقانونية؟