بعد مرور 10 سنوات على التغيير السياسي في تونس، لم تنجح الثورة في القطع مع البيروقراطية رغم تنديد مختلف المسؤولين والفاعلين بالإجراءات المعقدة التي تقف حجر عثرة أمام الإصلاح، لتعري أزمة جائحة كورونا حقيقة البيروقراطية الإدارية في تونس.

التلاقيح والكمامات


رغم الحديث المتواتر بخصوص ضرورة تجاوز البيروقراطية، جاءت أزمة كورونا مباغتة لتونس لتصدم بالواقع التشريعي والقانوني، بداية بأزمة الكمامات التي عرفت أوجها خلال فترة الحجر الصحي الشامل في مارس 2020 وما بعده عندما فرضت السلطات الصحية ارتداءها في الأماكن العامة.

وفي أكتوبر الماضي، صرّح رئيس الحكومة هشام المشيشي أن الاعتمادات المتوفرة منذ أشهر في “صندوق 1818” لم يتم صرفها لسبب وحيد وهو التعقيدات البيروقراطية المحضة التي تكبل عمل الإدارة العمومية.

ولم تقف البيروقراطية عند هذا الحد، ففي شهر أفريل عرفت الصيدليات شحا غير مسبوق في التزود بالكمامات مما أدى إلى ارتفاع مشط في أسعار النوعية ذات الاستعمال الوحيد أو الطبية، باعتبار أن المعامل في ذلك الوقت لم تكن قد تحصلت على التراخيص اللاّزمة للانطلاق في عملية التصنيع.
إلى جانب شبهة تضارب المصالح التي أثيرت حول النائب جلال الزياتي صاحب شركة Ortho-Group التي اختيرت لتصنيع الدفعة الأولى بمليوني قناع قابل للغسل بصفقة قيمتها 3،8 مليون دينار، ما تسبب في تأخير عملية التصنيع لمدة 15 يوما، وحسب وزير الصحة الأسبق عبد اللطيف المكي، فإن عوائق أخرى أخّرت حماية أرواح التونسيين.


فقبل توزيع الكمامات وتصنيعها، يجب أن تكون الشركات معتمدة أولاً من قبل المركز المسؤول عن فحص الكمامات CETTEX، بعد إيداع ملف في الغرض وإنتاج نموذج أولي يتم اختباره ثمّ يتم إجراء الفحص الثاني عند تسليم البضائع، حتى تكون متلائمة مع كراس شروط وضع بناءً على توصيات الجمعية الفرنسية للتقييس (Afnor).
ويقول مصدر مسؤول من الصيدلية المركزية لـ”JDD”، إنّ حصول الشركات على تراخيص التسويق تتطلب بين 3 و5 أسابيع كما أن الطلبات كانت ترد بالعشرات يوميا مما تسبب في تأخّر التسويق.
وبعد تجاوز أزمة الكمامات، واكتشاف تلاقيح متنوعة، استعملها أغلب سكان العالم بقيت تونس من بين البلدان القلائل التي تجلب التلاقيح، وقال رئيس لجنة الصحة بالبرلمان في حوار سابق لـ”JDD”، إن البيروقراطية أيضا وقفت وراء هذا التعطيل بسبب طول الإجراءات التي سبقت تقديم الطلبات سواء لكوفاكس أو للمخابر المصنّعة.

البيروقراطية المقنّنة

أفاد الرئيس السابق للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب، في فيفري الماضي، أن هناك أكثر من 400 إجراء بيروقراطي مقننا في الإدارة التونسية ومسنودا بقوانين وأوامر ونصوص ترتيبية لا فائدة منها.
ورغم أن مصالح رئاسة الحكومة أقرت بهذه التعطيلات، وتعهدت بتنقية المنظومة الترتيبية من هذه الإجراءات، حسب الطبيب، فإن كلّ الأطراف المسؤولة لم تقدّم إلى اللحظة أي مبادرة تشريعية للقطع مع الإجراءات الـ 400 المكبّلة للتونسيين والمستثمرين الأجانب على حد سواء.



من جهته انتقد البنك الدولي، خضوع عديد الأنشطة الاقتصادية في تونس لنظام التراخيص حيث لا تزال نصف الأنشطة في تونس خاضعة له، كما دعا البنك إلى ضرورة تبسيط الإجراءات سواء بحذفها أو بتعويضها بكراس شروط.

البنك الدولي كان نبه منذ سنة 2011، إلى وجود 38 قانونا في تونس تم إصدارها زمن زين العابدين بن علي، تهدف إلى خدمة مصالح عائلة الرئيس ومقربيه آنذاك في علاقة بمجالات الاستثمار والديوانة، ولم يتم إلغاؤها إلى اليوم.