صحيفة الأحد – Jdd Tunisie

سفراء في المقرات.. الحوارات المفتوحة على الخارج

تحرّك دبلوماسيّون من سفارات قوى دولية مؤثرة في تونس اقتصاديا وسياسيا وتاريخيا، خلال الشهرين المنقضيين، بوتيرة لافتة، وهي الفترة الزمنية نفسها، تقريبا، من عمر الأزمة السياسية التي خلقها رفضُ رئيس الجمهورية قيس سعيد دعوة الوزراء الذين نالوا ثقة مجلس نواب الشعب يوم 26 جانفي الماضي، إثر التحوير الوزاري.

ورغم أنّ صيغة البلاغات الرسمية عن فحوى هذه اللقاءات، جاءت نمطية متشابهة، فإنّها لا يمكن أن تحجب أنّ مسألة التحوير الوزاري والأزمة بين قرطاج من جهة والقصبة وباردو من جهة أخرى، كانت ملفا وقع تداوله في كل الاجتماعات، حيث أنّ هذه الجلسات لم تكن، على الأرجح، نشاطا دوريا للسفراء، وفي مقدمتهم السفير الأمريكي دونالد بلوم، وبعض سفراء الاتحاد الأوروبي، فرنسا وألمانيا، بشكل خاص. وهي لقاءات تذكّر أيضا بتواتر زيارات السفيرين الأمريكي والفرنسي لمقرات حزبي النهضة والنداء والاتحاد العام التونسي للشغل، بالتزامن مع الشروع في الحوار الوطني في النصف الثاني من سنة 2013.

الولايات المتحدة بعد ترامب

نشط السفير الأمريكي دونالد بلوم بشكل متسارع إثر تسلّم الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن لمهامه في البيت الأبيض. وسجلت له عدة تحركات في الأسابيع الأخيرة.

16 مارس: التقى السفير بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل السيد نور الدين الطبوبي.

15 مارس: لقاء رئيس الجمهورية السيد قيس سعيد. وقال السفير إنّ المناسبة “كانت فرصة لتأكيد مواصلة الولايات المتحدة تركيز الجهود لمساعدة تونس على تجاوز التحديات الاقتصادية التي فرضتها جائحة الكورونا”، أمّا بلاغ رئاسة الجمهورية، فذكر أنّ سعيّد “عرّج في حديثه على عدد من التجارب الدستورية المقارنة منها التاريخ الدستوري للولايات المتحدة الأمريكية والتاريخ الدستوري لكندا وبعض الدول الأخرى متوقفا عند أسباب نجاح هذه التجارب”.

5 مارس: التقى السفير بوزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار، علي الكعلي.

4 مارس: أدّى السفير زيارة إلى موقع أوذنة الأثري أين تجري أعمال الترميم المموّلة من برنامج صندوق السفراء للحفاظ على التراث الثقافي التابع للسفارة الأمريكية في تونس.

1 مارس: انضمّ السفير دونالد بلوم إلى وزير التربية فتحي السلاوتي ورئيس الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات نبيل بافون وممثّلي المؤسّسة الدولية للنظم الانتخابية للاحتفاء بـتسليم “حقيبة المواطنة” الممولة من السفارة الأمريكية بتونس والتي وزعت على أكثر من 100 ألف تلميذ وتلميذة. وفي هذه المناسبة أكّد بلوم اعتزاز السفارة “بدعمها المتواصل للمنظومة الديمقراطية التونسية”.

26 فيفري: شارك دونالد بلوم وزيرة العدل بالنيابة، الاحتفال ببرنامج التعاون الثنائي “تحسين إدارة المحاكم” الذي يمتد على 5 سنوات، والممول بقيمة 2.5 مليون دولار.

24 فيفري: التقى دونالد بلوم برئيس الحكومة هشام مشيشي، وورد في بلاغ السفارة أنّ السفير أكّد الالتزام الثابت للولايات المتحدة بدعم النمو الاقتصادي الشامل وتعزيز نجاح تونس كديمقراطية تعدديّة.

23 فيفري: التقى السفير دونالد بلوم اليوم برئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي. وجاء في بلاغ رسمي أنّ الجانبين تناولا التعاون الثنائي بين الولايات المتحدة وتونس وأولويات إدارة الرئيس بايدن والدعم الأمريكي المتواصل للشعب التونسي. كما تناول اللقاء، حسب بلاغ المجلس، الصعوبات التي تميّز الوضع السياسي اليوم، “وعبّر رئيس مجلس نواب الشعب عن تفاؤله بوصول الديمقراطيين الى السلطة، لما يعرف عنهم من مساندة لحركات الديمقراطية في العالم”، وفق البلاغ.

وفي اليوم نفسه الذي استقبل فيه الغنوشي السفير الأمريكي، عقد رئيس الجمهورية قيس سعيد بقصر قرطاج اجتماعا مع سفراء بلدان الاتحاد الأوروبي.

أمّا بالنسبة إلى اللقاء المبرمج مع رئيسة الحزب الدستوري الحرّ، في هذا اليوم، فقد فضّل السفير إرسال من ينوبه، وهو ما لم تقبله عبير موسي، وعيّنت بدورها من ينوبها لاستقبال الضيف، “بمنطق الندّية”، حسب تعبيرها.

17 فيفري: التقى السفير دونالد بلوم بوزير السياحة حبيب عمّار لتأكيد دعم الولايات المتحدة المستمر لقطاع السياحة في تونس، وفق السفارة الأمريكية.

فرنسا: الاقتصاد والسياسة

أمّا السفير الفرنسي، أندريه باران، فكانت له وجهات أخرى، فإضافة إلى متابعته الميدانية للاستثمارات الفرنسية، حيث زار يوم 2 مارس، في بنزرت، المدارس الفرنسية والشركات في المنطقة والمشاريع التي تدعمها الوكالة الفرنسية للتنمية. وبالمثل زار يوم 12 فيفري بسوسة شركات فرنسية وتونسية مدعومة من الوكالة الفرنسية للتنمية. كما عاين قبل ذلك يوم 5 فيفري توسعة المعهد الفرنسي في سوسة في مبنى جديد.، التقى يوم 19 فيفري رئيس الحكومة هشام مشيشي بقصر الحكومة بالقصبة وحسب بلاغ رسمي للحكومة تناول اللقاء تحضير انعقاد الدورة الثالثة للمجلس الأعلى للتعاون التونسي الفرنسي في بلادنا خلال شهر مارس تحت إشراف هشام مشيشي ونظيره الفرنسي جون كاستكس.

وكانت للسفير باران لقاءات سياسية أخرى، أيام:

24 فيفري: مع الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي بمكتبه. وحسب بلاغ الاتحاد، “تناول اللقاء جملة من الملفات، خاصة دعم التجربة الديمقراطية التونسية إضافة إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي”.

2 فيفري: لقاء الأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي بمقر الحزب.

ونشط السفير اقتصاديا لصالح بلاده أيام:

16 فيفري: اجتماع عمل، مع طارق الشريف رئيس منظمة الأعمال “كونكت” لبحث “إمكانية إطلاق مشاريع شراكة بين الشركات التونسية الصغيرة والمتوسطة والشركات الفرنسية الصغيرة والمتوسطة في عديد القطاعات”.

4 فيفري: لقاء مع معز شقشوق وزير النقل واللوجستيك. وهو القطاع التي تسجل فيه الشركات الفرنسية حضورا واسعا في تونس، وأكّد اللقاء “الأولوية لشبكة السكك الحديدية السريعة بتونس مع الشركة الفرنسية “كولاس ريل”، وأيضا “آفاق عدة مشاريع منها مشروع ميناء النفيضة للمياه العميقة”.

28 جانفي: لقاء مع محمد الفاضل كريم وزير تكنولوجيات الاتصال، وأكّد الطرفان مسألة “جعل التكنولوجيا الرقمية محورا رئيسيا للتعاون الفرنسي-التونسي ضمن المجلس الأعلى للتعاون المقبل”.

الاتحاد الأوروبي: الأولوية للضفتين

تحدّث ماركوس كورنا، سفير الاتحاد الأوروبي في تونس، لجريدة الصباح يوم 21 فيفري الماضي، عن الأزمة السياسية في تونس، واعتبرها أمرا مؤسفا في تداعياتها الاجتماعية، لكن بالنسبة إليه “لا تأثير للأزمة في مجال الشراكة مع الاتحاد الأوروبي “. وأشار السفير إلى أنّه التقى رئيس الجمهورية مرة واحدة عند تقديم أوراق اعتماده، لكنّه يتواصل مع رئيس الحكومة “دون صعوبات”، حسب عبارته.

واكّد السفير الأوروبي أنّ تونس “تظلّ الشريك المميز وتحظى سنويّا بدعم يقرب 300 مليون أورو، وهو الأعلى بين دول الجوار بالنظر إلى عدد السكان”.

ويوم 1 مارس الحالي، دوّن ماركوس كورنارو على صفحته الرسمية بموقع فايسبوك، واصفا الأزمة السياسية الحالية في تونس، بأنّها “مصدر قلق”. وقال السفير: “يظل المأزق السياسي والمؤسساتي الذي تمر به البلاد مصدر قلق، لكنني على ثقة تامة في قدرة تونس وقادتها السياسيين على إيجاد حلول، في كنف السيادة التامة، لهذه الأزمة السياسية والاقتصادية. وأشاطر وجهة النظر التي تفضل الحوار الهادئ والمسؤول لحل الصعوبات”.

وكانت لماركوس لقاءات سياسية في الأسابيع الأخيرة:

15 فيفري: لقاء الأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي بمقر الحزب.

10 فيفري: لقاء رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي بالمقر المركزي للحزب.

8 فيفري: لقاء راشد الغنوشي بصفته رئيس حركة النهضة، في مقرها.

وكان لعدد من سفراء دول الاتحاد الأوروبي زيارات لعدد من مقرات الأحزاب والبرلمان واتحاد الشغل، إضافة إلى قصر الحكومة بالقصبة:

9 مارس: استقبل أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي سفير المملكة المتحدة الجديد.

5 مارس: رئيس مجلس نواب الشعب يستقبل سفيرة جمهورية النمسا بتونس.

4 مارس: استقبل نور الدين الطبوبي سفير ألمانيا بتونس.

1 مارس: رئيس مجلس نواب الشعب يستقبل السفير الألماني، وكان قد التقاه في مناسبة سابقة يوم 23 نوفمبر 2020. وجاء في بلاغ لمجلس نواب الشعب، أنّ السفير الألماني أشار إلى أن ألمانيا تدعم مسار الانتقال الديمقراطي في تونس وتأمل في أن تتجاوز حالة الانسداد السياسي.

19 فيفري: التقى رئيس الحكومة هشام مشيشي بقصر الحكومة بالقصبة سفیر المملكة المتحدة بتونس إدوارد أوكدان.

22 جانفي: رئيس مجلس نواب الشعب يستقبل سفير المملكة المتحدة بتونس.

طلب الحزام الخارجي

بادر رئيس الجمهورية قيس سعيد، يوم 23 فيفري، إلى عقد اجتماع مع سفراء بلدان الاتحاد الأوروبي، يتقدمهم رئيس بعثة الاتحاد بتونس. وجاء هذا الاجتماع بعد اللوم الكبير الذي وجه إلى رئاسة الجمهورية بسبب الجمود الدبلوماسي وما اعتبره البعض “عزلة” خارجية منذ وصول سعيد قصر قرطاج.

وقد أوردت الرئاسة في بلاغها، إضافة إلى المسائل الاقتصادية والدبلوماسية، أن رئيس الجمهورية تحدث عن الشأن السياسي التونسي، حيث أكد لضيوفه “حرصه على بناء دولة ومجتمع القانون، مجددا تمسكه بالدستور، كما بيّن أن عدم الاستقرار السياسي لا علاقة له بعدم الاستقرار الحكومي، مؤكدا على أن تونس لها من الإمكانيات ما يجعلها قادرة على أن تكون ديمقراطية بعيدا عن الحسابات الضيقة”.

وتوجهت رئاسة الحكومة أيضا، إلى الضفة الشمالية، فقد دعا رئيس الحكومة هشام مشيشي يوم 26 فيفري، سفراء مجموعة الدول السبع الصناعية، وسفير الاتحاد الأوروبي بتونس، إلى اجتماع عمل بحضور وزير الاقتصاد والمالية علي الكعلي.

أمّا راشد الغنوشي، رئيس مجلس نواب الشعب، فقد استخدم إشعاعه الفكري والسياسي، لمخاطبة قادة الرأي وصناع القرار في الولايات المتحدة، فكتب يوم 20 فيفري مقال رأي في صحيفة USA Today، عبّر فيه عن رؤيته للانتقال الديمقراطي والصعوبات التي يشهدها، كما تحدّث عن الظواهر الشعبوية الصاعدة في العالم وخاصة في الولايات المتحدة، وجاء مقاله غير متعارض مع الرؤية الأمريكية للإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي في العالم وخاصة في بلدان الثورات العربية.

وهذا المقال، تلاه حوار أجرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية مع الغنوشي يوما واحد بعد المسيرة التي نظمتها حركة النهضة يوم 27 فيفري الماضي. وكان المطلوب في الحوار أن يطّلع صناع القرار الأمريكيون على هدف الاستعراض الكبير الذي عمدت إليه حركة النهضة.

ومضى الغنوشي في التواصل مع الخارج عبر الإنتاج الفكري، فكتب يوم 9 مارس لموقع ” euobserver” عن أزمة انتشار كورونا وآثارها الاقتصادية وعن التوزيع الإنساني العادل للتلاقيح. وكانت خلاصة رسالة الغنوشي للقادة الغربيين في المقال أنّ “تونس بحكم موقعها الجغرافي والتاريخي الحاسم، هي ممرّ من أوروبا إلى إفريقيا، لذلك من المهم أن تظل هذه البوابة منطقة آمنة، لصالح جيرانها الشماليين والجنوبيين”.

في إيجابيات الأزمة السياسية

دفعت الأزمة السياسية المتعلقة أساسا بالخلاف حول الصلاحيات- قبل أن تتطور إلى تفاصل معقدة أوصدت أبواب الحوار نحو حلّها- إلى أن تعمل الرئاسات الثلاثة على إثبات فاعليتها ونجاعتها عمليا، عبر تحقيق توافقات عملية تحصّن موقعها التفاوضي ومكانتها في التواصل والحوار داخليا وخارجيا، وهو ما خلق هذه الحيوية المرصودة تجاه الخارج في الأسابيع الأخيرة.

وتؤكد هذه المساعي أنّ التنافس المفترض يجب أن يكون في خدمة البلاد ومواطنيها، لا بتسجيل الأهداف البلاغية. ولذلك ينتظر أن يستفيد التونسيون من تنافس حكامهم على إثبات جدارتهم بمناصبهم، والعبرة ليست بمن يكون الرابح، بل بما يعود على العموم من ثمار المنافسة. أمّا إذا كانت الغاية استقواء طرف على آخر، فسيكون الخراج للخارج.

بقلم لطفي حيدوري

الخروج من نسخة الهاتف المحمول