تحيي تونس اليوم 18 مارس الجاري, الذكرى السادسة للهجوم الإرهابي الذي طال متحف باردو وأسفر عن استشهاد الأمني أيمن مرجان التابع لفوج مكافحة الارهاب, إضافة إلى مقتل 21 سائحا من عدة جنسيات أوروبية وكذلك تصفية إرهابيين اثنين.

وأشارت تقارير أن تنظيم “الدولة الإسلامية” المسؤولية عن الهجوم على المتحف الوطني التونسي في باردو وذكرفي بيانه أن الهجوم نفذه اثنان من عناصره وهما أبو زكريا التونسي وأبو أنس التونسي “مدججين بأسلحتهما الرشاشة والقنابل اليدوية مستهدفين متحف (باردو) الذي يقع ضمن المربع الأمني للبرلمان التونسي”.

وذلك حسب موقع “سايت” والأمريكي، المعني بأخبار الجماعات الجهادية, وبحسب السلطات التونسية فإن المسلحين كانا بلباس عسكري وتسللا من سياج خلف مبنى البرلمان ثم بادرا بإطلاق النار عشوائيا على مجموعة من السياح.

غياب الاستعداد الأمني

فاجأ الهجوم على متحف باردو الوحدات الأمنية التي لم تكن على أهبة الاستعداد لمثل هذه الهجمات الدموية, ومنذ أشهر عديدة سابقة للانتخابات, كانت السلطات تعيش على وقع تهديدات أمنية خطيرة, ولم تنفك التقارير الاستخباراتية من تحذير السلطات من اقتراب وحدات إرهابية في استراتيجية استهداف المدن والمدنيين.

ومنذ صيف 2013 بالتحديد بدأت السلطات الأمنية بوضع سيناريوهات لأكثر الأوضاع تهديدا, وذلك بالاعتماد على بعض المعلومات بأن استهداف العسكريين والوحدات الأمنية في المناطق الجبلية سيتوسع إلى استهداف المدنيين داخل المدن.

كان ذلك واضحا من خلال اكتشاف مخازن للأسلحة وسط المدن خاصة في الضواحي القريبة للعاصمة, إذ عثر فيها على ذخيرة مضادة للدروع وكميات كبيرة من المتفجرات, و حسب ما ورد أن هذه الأسلحة من ليبيا, مما يعني أنها قطعت مئات الكيلومترات دون أن يتم التفطن إليها.

ومن المهم أن نشير إلى أن تبني هجوم باردو قد اتبع منهجا فيه الكثير من التحدي للسلطات, فقد أوضح هذا الهجوم ضعف الجهاز الأمني وعدم قدرتها على التصدي لمواجهة النسق السريع الذي تتخذه التهديدات المسلحة في تونس.

وكان جليا أن متحف باردو يعتبر من بين الأهداف المحتملة, وما يثير الريبة أن هذا الأخير يقع على بضعة أمتار من -مجلس نواب الشعب- وأن كلتا البنايتين لم تكونا أثناء الهجوم تتمتعان بالحد الأدنى من الحماية الامنية, وأن كاميرات المراقبة كانت معطلة، ولفت تيري وهو سائح فرنسي ، وكان زار متحف باردو قبل تعرضه للهجوم، الى غياب الاجراءات الامنية حول المتحف.
وقال السائح “كان هناك فقط رجل (أمن) يحمل سلاحا رشاشا عند مدخل موقف السيارات” في المتحف كما أشار رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد” تمت العملية نظرا لوجود بعض الإخلالات في كامل المنظومة الأمنية بكل مراحلها” بدءا من “حماية المتحف” وحتى “حماية كل تنقلات السياح من الباخرة (السياحية) وحتى مكان الحادث.

وعلى الرغم من قرب المنطقة من مقرات أمنية كالثكنات والمقرات الأمنية غير أن وصول النجدة قد تأخر أكثر مما ينبغي, الأمر الذي سمح للجناة بارتكاب جريمتهم في متسع من الوقت.

وتثير بعض الشهادات شكوكا حول التعاطي الأمني مع الهجوم, وينساق بعضها في القراءة التآمرية للحادثة, غير أن ذلك لا يغير من صلب الأمر شيئا, هو أن السلطات الأمنية غير جاهزة لمواجهة مثل هذه الهجمات بطريقة فعالة.

ويذكر أن الدائرة الجنائية الخامسة المختصة في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس كانت قد أصدرت يوم 9 فيفري 2019 حكما بسجن المتهمين في قضية باردو عادل الغندري و محمود القاشوري مدى الحياة من أجل جريمة المشاركة في القتل العمد مع سابقية القصد.



استراتيجية التصدي للإرهاب

لم تكن عملية 18 مارس الإرهابية مجرد مراكمة عددية للخسائر البشرية والمعنوية في صفوف من تصفهم المجموعات الإرهابية بـ -الكفار- فحسب, بل تم اعتبار هذه العملية بمثابة نقطة التحول الجذري في استراتيجيات التصدي للإرهاب في تونس, ما يعني المرور نحو مرحلة متقدمة أكثر جرأة ونجاعة من سابقاتها.

دعت حركة النهضة التونسية, إثر حادثة باردو الإرهابية إلى عقد مؤتمر وطني لوضع استراتيجية شاملة للتصدي للإرهاب والتعجيل بإصدار قانون مكافحة الإرهاب والقوانين الداعمة لحماية الأمنيين وفي أداء وظائفهم من جهته تعهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي بمقاومة الإرهاب -بلا شفقة ولا رحمة- و إن هذه الأقليات الوحشية لا تخيفنا وسنقاومها إلى آخر رمق بلا شفقة ولا رحمة، وفي تعليق له على الإرهاب, قال إن القضاء على هذه الظاهرة سيكون بخطة أمنية و قضائية صارمة.

وعلى إثر ذلك تمت المصادقة على القانون الأساسي لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال عدد 26 لسنة 2015 , وهي جزء من خطة معتمدة من طرف الحكومة لمقاومة الإرهاب, اتخذت أبعاد زجرية وقانونية وأمنية، و قد ورد في هذا الأخير سياسة ردعية محكمة تلقت القبول من البعض والكثير من الانتقادات من عدة أطراف يرى فيها معارضوها أنها تقتصر على أساس إجراءات أمنية قد تؤدي إلى “تغول” المؤسسة الأمنية وأنها تقوم على إعطاء دور كبير للجانب القانوني في بعده الزجري, وبهذا فإن الاستراتيجية المقدمة تهمل التركيز على العوامل المساعدة على ظهور الإرهاب وانتشاره وضرورة التصدي للصور النمطية وتعزيز الحوار بين الأديان والثقاقات والتربية على الوقاية من الإرهاب والتصدي له ودور المؤسسات الدولية المختصة في الحد من ظواهر التعصب والعنصرية.

استراتيجية تحتاج إلى تطوير!

إن تونس اليوم, لا يمكن لها إنتاج التنمية والعدالة الاجتماعية وتوفير مواطن شغل كافية, بالتالي فإن ظروف نتاج العنف الإرهابي واردة بقوة, وهذا ما يعزز عدم تغييب الحل السياسي عن طريق الاستيعاب, وإرساء حقوق الإنسان وخلق الأمل لدى الشباب عبر تشريكه في القرار واستيعاب مساهماته في النهوض بالوطن, خاصة وأن الهجومات الدموية وتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية لا تزال قائمة حتى اليوم, ولا تزال التنظيمات المتطرفة تستقطب العديد من الشباب وذلك لوجود العديد من الأسباب الاجتماعية والتربوية والايديولوجية, وحدوث العمليات الأخيرة لعلها أبرز شاهد على حالة اليأس والاحباط الذي يعتري الشباب التونسي اليوم رغم أن بعضهم من المتميزين دراسيا, إلا أنهم اختاروا هذا الطريق بإرادتهم لإنهاء حياتهم وحياة أبرياء أخرين معهم.