تعيش تونس خلال هذا الشتاء انحباسا ملحوظا للأمطار، حيث تبلغ نسبة امتلاء السدود بتاريخ الأحد 28 فيفري 2021، 53 بالمائة، حسب إحصائيات وزارة الفلاحة، وتصنّف تونس تحت سلم الفقر المائي دوليا حيث أن معدل الاستهلاك السنوي للتونسي في حدود 430 متر مكعب في حين أن معدلات الاستهلاك العالمية في حدود ألف متر مكعب، مما دفع المشرّع إلى تنقيح مجلة المياه الصادرة سنة 1975 وسط معارضة المجتمع المدني.

العطش يتفاقم

أصبحت بلاغات الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه المُعلنة عن تسجيل انقطاعات المياه في إحدى الولايات أو عدد منها، خلال السنوات الأخيرة، خبزا يوميا للتونسيين، حيث تفيد إحصائيات المرصد الوطني للمياه أن نسبة انقطاع المياه ارتفعت من 122 حالة سنة 2016 إلى 288 حالة في صيف سنة 2018 كما أن أكثر من 200 ألف أسرة تعاني من شحّ المياه ويضيع أكثر من نصف دخلها في محاولات الحصول على الماء النظيف.

كان بإمكان كل تونسي، سنة 2015، الحصول على ما يصل إلى 440 مترا مكعبا من المياه سنويا ليتراجع هذا الرقم إلى 389 مترا مكعبا للفرد، بسبب تغير المناخ والنمو السكاني اللذين قد يتسببان في انخفاض الكمية إلى نحو 300 متر مكعب للفرد بحلول عام 2050.

وتقول منظمة الأغذية والزراعة “فاو”، إنه ليس بالإمكان تحقيق التنمية المستدامة إلا من خلال توفير 1000 متر مكعب من مياه الشرب للفرد الواحد في حين لا يتمتع التونسي، حاليا، سوى بـ 430 مترا مكعبا، حسب رئيس لجنة الفلاحة بمجلس نواب الشعب.

وبحسب دراسة للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي، من المتوقع أن تواجه تونس بحلول 2030 أكبر مشكلة متعلقة بندرة المياه، حيث من المنتظر أن تصل الموارد المائية المتاحة سنويا لكل ساكن في تونس في أفق 2030، أي حوالي 360 مترا مكعبا، مقابل 420 مترا مكعبا في سنة 2006 و1036 مترا مكعبا سنة 1960.

مجلة لخوصصة الماء؟

قال منسّق المرصد التونسي للمياه، علاء الدين المرزوقي لـ”JDD”، إنّ مجلة المياه التي قد تعرض على مصادقة مجلس نواب الشعب خلال أيام، من أجل تكريس توجه الدولة نحو خوصصة الماء بفتح الباب أمام المستثمرين الخواص في الاستثمار في هذا القطاع الحيوي مما يعرض السيادة الغذائية للخطر ويؤدي حتما إلى الترفيع في تعريفة الاستهلاك، مشيرا إلى أن مشروع المجلة الجديد الذي صادقت عليه الحكومة سنة 2019 لا ينصّ على مجانية الكمّية الحياتية لمياه الشرب في تضارب واضح مع الفصل 44 من الدستور الذي يؤكد على الحق في الماء.



وأوضح أن انفراد البرلمان بالنقاش حول مشروع المجلة وتغييب المجتمع المدني أدى إلى إعادة نفس الأخطاء الاستراتيجية الواردة بمجلة المياه لسنة 1975، واالتي ستعتمد حلولا سهلة من خلال إنشاء مراكز لتحلية الماء في حين أن هذه العملية مكلفة وستؤثر بالتالي على سعر الماء التي سيتحمّلها المواطن، وفق قوله.

واعتبر المرزوقي أنّ مشروع المجلة الجديدة يكرّس المركزية بسبب تجاهلها للاعتبارات الجهوية والمحلية في التصرف في المياه منتقدا في السياق ذاته محافظتها على ذات الهيكل المؤسساتي للتصرف في مجال المياه وعلى أدوار مختلف المتداخلين من شركة اسغلال وتوزيع المياه إلى شركة استغلال قنال وأنابيب مياه الشمال وغيرهما.