في الوقت الذي تتهافت فيه دول عربية وغربية على ليبيا من أجل تعزيز موقعها داخل خريطة القوى الباحثة عن مواطئ قدم في عملية الإعمار، إثر انتخاب سلطة تنفيذية جديدة للبلاد، كانت تونس تقوم بخطوات محتشمة في هذا الاتجاه، حتى جاء تصريح مثير للجدل من النّاطق الرسمي الأسبق باسم وزارة الداخلية ليثير غضب الليبيين مما اضطر وزارة الخارجية إلى التوضيح والتبرؤ.

فإلى أي مدى يمكن أن تؤثر التصريحات الإعلامية “العنيفة” لعدد من المسؤولين التونسيين على عمليات الاستثمار بين البلدين؟

تاريخ من التصريحات “الغريبة”

لم يكن تصريح النّاطق الرسمي الأسبق باسم وزارة الداخلية التونسية هشام المدب، الذي دعا من خلاله إلى غلق الحدود مع ليبيا في صورة عدم حصول تونس على مشاريع اقتصادية، أوّل التصريحات التي تثير غضب الليبيين فخلال السنوات الماضية ومع تغيّر الحكومات والأوضاع السياسية بالبلدين تواترت “المزحات الدبلوماسية” التي أثارت حفيظة الليبيين.

وقبل أشهر قليلة، أثارت تصريحات لرئيس الجمهوريّة، المسؤول الأوّل عن الدبلوماسية، قيس سعيد، غضبا واسعا وردود فعل في الداخل الليبي، خاصة فيما يتعلق بدستور البلاد، وسط تساؤلات عن دلالة هذه التصريحات، وما إذا كان سعيد قد غير توجهه في ليبيا أو أنه بعيد عن فهم الحالة داخل البلاد.

وقال سعيد خلال زيارته لفرنسا ولقاء رئيسها إنه “يجب على الليبيين وضع دستور مؤقت، على غرار الدستور الذي جرى وضعه في أفغانستان سنة 2020، كما أنه رأى أن الشرعية الدولية في ليبيا هي شرعية مؤقتة ولن تدوم، مؤكدا أن تونس من أكثر الدول تضررا مما يحدث في ليبيا”.

كما كان للوزراء نصيبا من التصريحات المثيرة للجدل، ففي سنة 2017، عبرت منظمات وجمعيات ليبية عن استنكارها وتنديدها بتصريح وزير الشؤون المحليّة والبيئة الأسبق رياض المؤخّر، خلال ندوة بإيطاليا، قال فيه ” إنّه يصف تونس على أنها بلد يقع تحت روما لأنّ ليبيا تبدو إلى حدّ ما بلدا إرهابيا”.

فيديو للوزير الأسبق رياض المؤخر


وتبعا لهذا التصريح واجهت تونس اتهامات من اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا بـ”محاولة نقل خطر الإرهابيين التونسيين إلى ليبيا وتعريض الأمن والاستقرار الليبي لخطر الإرهاب، ونقل صورة للعالم بأن خطر الإرهاب والتطرف الذي تتعرض له تونس قادم من ليبيا واستغلال الزخم والمساعي الدولية الرامية لمكافحة الإرهاب من أجل تحقيق السلطات التونسية مكاسب ومنافع مادية وسياسية وعسكرية على حساب مصلحة ليبيا” حسب نصّ البلاغ.

التأثير حاصل

أوضح الدبلوماسي السّابق أحمد ونيّس لـ”JDD”، اليوم الأحد 14 مارس 2021، أنّه من البديهي أن ثؤثّر تصريحات المسؤولين السياسيين والفاعلين في الساحة الاقتصاديّة والأمنية والمدنية، على العلاقات بين الجيران.
وتابع أنّه يجب على المسؤولين السامين التحدث للتوضيح، بعد التصريحات التي تثير غضب أحد الشعبين والتأكيد على عمق العلاقات والإصرار على الحفاظ عليها لتنقية آثار مثل هذه التصريحات، على حدّ تعبيره.


وبخصوص المساعي الدبلوماسية التونسية للحصول على نصيبها من عمليّة إعادة الإعمار، كشف ونيس أن اجتماعا التأم في صفاقس يوم الخميس 11 مارس 2021 لنادي التعاون بين تونس وليبيا بحضور عشرات الفاعلين من الجانبين وكانت نتائجه ناجحة إلى أبعد الحدود، وفق تعبيره.
وقال محدّثنا “لنا ثقة عالية في الأطراف التي نتعامل معها بصفة مباشرة وغير مباشرة في عمليات الاستثمار المتبادل بين البلدين وفيما يتعلق باليد العاملة” مضيفا “لا نحتاج إلى لوبيينغ أو تصريحات عامة أو احتجاجات، فبمجرد استعادة السلام والأمن في ليبيا ستعود العلاقات بنفس القوة”، حسب تأكيده.