لا يمكن الحديث عن الأحزاب السياسية في تونس دون الحديث عن الإيديولوجيا وهي كلمة تتكون من مقطعين أصلهما إغريقي ”إيديا” وتعني فكرة و”لوجيا” وتعني دراسة أو علما، إلا أن الإيديولوجيا الأكثر انتشارا هي الإيديولوجيا الدينية ما يضع الإيديولوجيتين الماركسية واللبيرالية على حافة الاندثار لفشلهما في إقناع الشعب التونسي بأفكارهما ومعتقداتهما.

فإذا جزمنا بعدم وصول هذه الأحزاب إلى الحكم لعدم قدرتها على استقطاب الجماهير فمن المتسبب الرئيسي في تدهور الوضع العام للبلاد على جميع الأصعدة؟

أسباب فشل الأحزاب الإيديولوجية الماركسية

في هذا الإطار أوضح أستاذ التاريخ السياسي المعاصر والراهن بالجامعة التونسية، عبد اللطيف الحناشي، في تصريح لـ “JDD” اليوم الأحد 21 مارس 2021، أن فشل الأحزاب الإيديولوجية الماركسية في إدارة البلاد يعود لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية، تتمثل أساسا في عدم القدرة على التجديد والتزامها بالانتشار عموديا وعدم قدرتها على التمدد أفقيا على المستويين الجغرافي والاجتماعي، إلى جانب فشلها في كسب أنصار جدد وعدم قدرتها على إقناع الشعب بهذا الفكر عكس النظريات الدينية التي وجدت سهولة في الإبلاغ وإيصال مواقفها الفكرية بسهولة والقدرة على استقطاب أكبر عدد ممكن من الجمهور، نظرا إلى أن الشعب التونسي هو شعب محافظ وتقليدي بالأساس، وفق تقديره.

وبين عبد اللطيف الحناشي أن الأحزاب ذات الإيديولوجيا الماركسية هي حزب العمال وحزب الوطد وحزب المسار وحركة الشعب والتيار الشعبي أما الأحزاب ذات الإيديولوجيا الدينية فهي حركة النهضة والسلفية التكفيرية وحزب التحرير، على حد قوله.

الأحزاب الإيديولوجية الدينية

من جانبه قال الأستاذ الجامعي والمؤرخ، عميرة علية الصغير، في تصريح لـ “JDD” إن الأحزاب الإيديولوجية الليبرالية على غرار حزب آفاق تونس لم تحكم لنحملها مسؤولية تدهور الأوضاع في تونس، معتبرا أن الأحزاب ذات الإيديولوجية الدينية وعلى رأسهم حركة النهضة فشلت في الاستجابة لمطالب الشعب التونسي والتي اندلعت من أجلها ثورة 2011، على غرار الحرية والكرامة والتشغيل ورفع الظلم والمساواة ومحاربة الفساد والمحسوبية.

وأكد عميرة علية الصغير تسبب حركة النهضة في انقسام الشعب التونسي إلى مؤمن وغير مؤمن وتفكيك الدولة، معتبرا أن سبب تدهور البلاد على المستوى الاقتصادي ووصولها إلى حالة إفلاس وتراجع الاستثمارين الخارجي والمحلي وغلق أكثر من 200 معمل، هو غزو الأسواق الخارجية على غرار جلب سلع من تركيا.

واعتبر محدثنا أن فشل الحزب الإيديولوجي الممثل في حركة النهضة، في إدارة الدولة تسبب في ارتفاع نسبة الواردات مقابل تراجع نسبة الصادرات ما نتج عنه ارتفاع نسبة البطالة والفقر وانخفاض المقدرة الشرائية وتراجع الدينار بـ 3 أضعاف.

وأضاف علية الصغير إن تونس بلغت حوالي 80 بالمئة من قيمة الناتج المحلي الخام ”PIB” لتصبح من أكثر الدول تداينا في العالم، متسائلا عن مآل المليارات التي اقترضتها البلاد من البنوك الأجنبية في وقت لم تشهد فيه تونس تطورا على مستوى الاستثمار باعتباره المحرك الرئيسي للاقتصاد الوطني.

ظواهر اجتماعية خطيرة

وبين الأستاذ الجامعي والمؤرخ أن كل هذه العوامل أدت إلى انغلاق الأفق وبالتالي تأزم الجانب النفسي للمواطن على غرار تجذر الإرهاب في تونس وارتفاع نسبة الإجرام والإقبال على الانتحار واستهلاك المخدرات والهجرة غير النظامية، إضافة إلى تزايد نسب الاغتصاب والعنف.

كل الأحزاب السياسية الموجودة في تونس على اختلاف أفكارها تحمل في طياتها إيديولوجيا معينة سواء كانت دينية أو ماركسية أو ليبيرالية وإن بدت ظاهريا تمارس فقط دورها السياسي داخل البلاد فإن نتائج إدارتها لشؤون البلاد على المستويين الاقتصادي والاجتماعي توضح وبشكل جلي اعتمادها على منظوماتها الفكرية “الإيديولوجية ” ما تسبب في تأزم الوضع العام في تونس.

سنية خميسي