أثارت حادثة قصّ شعر تلاميذ عنوة من قبل القائمين على مدرسة خاصّة بجهة حي التحرير بالعاصمة، دون استشارة أوليائهم، حالة من الارتباك والخوف في صفوف الأولياء والتلاميذ، لما مثلته من اعتداء على الحرمة الجسدية للأطفال وتهديد لصحتهم النفسية، فهل أصبحت المدرسة التونسية اليوم تمثل تهديدا للطفل في ظل غياب وسكوت السلطات المعنية؟

“الصحّة النفسية والجسدية للطفل في خطر”!

وقامت إحدى المؤسسات التربوية الخاصة بحي التحرير بالعاصمة، مؤخّرا بقصّ شعر عدد من التلاميذ خارج المؤسسة التربوية، عنوة ودون استشارة أولياء التلاميذ المعنيين بالأمر تطبيقا لقرار أحد القائمين على المدرسة.

وأدان معز الشريف، رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل، العنف المسلط على التلاميذ، معتبرا أن المدرسة في تونس أصبحت تهديدا للصحّة النفسية والجسدية للأطفال منتقدا ما اعتبره “سكوت السلطات المعنية عن هذه الممارسات الخطيرة”.

وقد أذنت المندوبية الجهوية للتربية تونس 2، السبت 6 مارس 2021، بفتح تحقيق إداري بالمؤسسة التربوية المذكورة، مبينة أن صاحب المؤسسة التربوية هو المسؤول عن القرار الذي يعزى وفق المندوب محمد القزوني إلى تحسين هندامهم ومظهرهم الخارجي، علما وأن وزارة التربية هي المسؤولة دون سواها للنظر في إجراءات تسيير المؤسسات التربوية العمومية والخاصة.

وسيتم وضع عدد من الأخصائيين لمعالجة الأطفال الذين تعرضوا للعنف لحمايتهم من الانعكاسات النفسية للحادثة، وفق القزوني.

من جهته اعتبر الخبير في مجال الطفولة والأسرة وقاضي الأطفال “ابراهيم الريحاني”، في تصريح لـ”JDD”، أن حادثة قصّ شعر تلاميذ إحدى المؤسسات التربوية الخاصة بجهة حي التحرير خارج الوسط المدرسي دون إذن أوليائهم، تعكس صورة ونموذج الانتهاكات التي يتعرض له أغلب الأطفال في تونس وتعتبر اعتداء على الأطفال مما قد يؤثر على مستوى حالتهم النفسية وعلى مردودهم الدراسي.

“المدرسة بؤرة لثقافة العنف”

وأصبحت المؤسسات التربوية وخاصة بعد ثورة 14 جانفي 2014، مصدر إنتاج لثقافة العنف بجميع أنواعه بل كما أصبحت بؤرة لنشر كل أشكال التهديد وانتهاك حقوق الأطفال، حتى أن الطفل نفسه أصبح يعيش في هذه الفوضى العامة التي استمدها واقتبسها من صورة مجتمعه الذي يجسد النمطية وهي لا توحي إلا بالتمرد على كل الظوابط والقواعد والقوانين والمؤسسات، لتصبح هذه القوة المهيمنة على الواقع، وبالتالي تتحول القيم والأخلاق والكرامة واحترام الحقوق إلى شواذ، ويصبح بذلك الفرد الذي يختار التخلق والقيم والكرامة محل سخرية المجموعة المهيمنة فلا يجد نفسه، حسب وجهة نظر محدثنا.

وهذه الصورة النمطية المغذية للعنف والتمرد موجودة في كل مكان ولدى جميع الأشخاص مهما كانت فئتهم الاجتماعية أو مستواهم الثقافي، وخاصة لدى النخب وهو ما عمق الأزمة، لذلك أصبحنا اليوم نتحدث عن غياب مؤسسات الدولة، وعن حضورها الذي أصبح صوريا دون آليات تدخل واضحة من شأنها حماية حقوق الأطفال بنتائج واضحة، فالطفل المعنف داخل المؤسسات التربوية أصبح ينتظر إما قرارا قضائيا أو تعهدا إعلاميا ليتحول موضوع قضيته إلى الرأي العام المكشوف بالصور، وفق المختص في الطفولة.

“حقوق الطفل بقيت مجرد شعارات”

كما أن هذا التدخل، وفق الريحاني، يبقى مشكوكا في أمره خاصة وأن الهياكل المعنية بحماية الطفولة في تونس تنتظر دليلا لإثبات الواقعة داخل هذه المؤسسات بدليل أن أغلب المؤسسات التي تورطت في انتهاك حقوق الأطفال، لا زالت إلى اليوم تعمل دون حسيب أو رقيب، وهي موجودة لكنها غيرت فقط مقر عملها، كما أن الأشخاص الذين أذنبوا في حقوق الأطفال لا زالوا إلى اليوم يحتفظون بمناصبهم، منتقدا عدم تدخل هياكل الدولة المعنية بالدفاع عن الطفولة من أجل تحديد قائمة سوداء في المؤسسات والأشخاص الذين اعتدوا على الأطفال ومنع المذنبين من التعامل مجددا مع هذه الشريحة، مشيرا إلى أن الدفاع عن حقوق الطفل بقي مجرد شعارات في حين نجد واقعا مختلفا تماما.