ملف الاعتداءات على المواقع الأثرية، يُفتح من جديد مع ازدياد ظاهرة التوسع العمراني العشوائي، وسط تحذيرات من متساكني قرطاج ونشطاء بالمجتمع المدني من تداعيات عدم تدخل السلطة لحماية هذا الموروث الثقافي من الاندثار، هذا الانتهاك من شأنه أن يزعزع مكانة تونس في التصنيف العالمي لمنظمة اليونسكو.

انتهاكات دفعت متساكني الجهة يوم 27 مارس الجاري إلى تنفيذ وقفة احتجاجية، موجهين نداءات استغاثة إلى السلطتين المحلّية والمركزية ووزارة الثقافة للتدخّل العاجل من أجل وضع حدّ لانتهاكات المواقع الأثرية من قبل بعض المتساكنين بمدينة قرطاج.

تصنيف اليونسكو مهدد

أكدت رئيسة بلدية قرطاج، حياة بيوض، في تصريح لـ “JDD”، اليوم الاثنين 29 مارس 2021، ضرورة تدخل الدولة لحماية المناطق الأثرية بقرطاج من الاندثار من خلال إضافة حفريات وحماية المعالم الأثرية وانتزاع الأراضي الأثرية المصنّفة عالميا من الخواص، وتثمين هذه الأراضي من خلال خلق مشاريع تصب في صالح التراث التونسي، محذرة من أن عدم تدخل السلط المركزية المعنية ”وزارتي الشؤون الثقافية وأملاك الدولة والشؤون العقارية” من أجل إنقاذ هذا المعلم الأثري سيهدد تونس بخروجها من التصنيف العالمي لليونسكو.

وأوضحت “حياة بيوض” أن هذا الإشكال يعود إلى شراء بعض المواطنين لأراضي مصنفة أثرية، لكنها على ملك الخواص ليقع فيما بعد بناؤها دون رخصة.

وأكدت رئيسة بلدية قرطاج أن هناك تراخٍ وتأخير في تطبيق قرارات الهدم، مبينة أن البلدية تجد صعوبات في ذلك نظرا إلى أن هذه البنايات الفوضوية باتت مسكونة من قبل المواطنين، إضافة إلى إصرار بعض الأشخاص على عدم الامتثال لقرارت الهدم من خلال إعادة بناء ما وقع هدمه، ما دفع بلدية المكان إلى مقاضاتهم، وفق قولها.

المعهد الوطني للتراث

أفاد محافظ الموقع الأثري بقرطاج، معز عاشور، بأن الإشكال يكمن أساسا في التراخي في تنفيذ قرارات الهدم، ما أدى إلى ارتفاع نسبة التجاوزات لتبلغ بين سنتي 2011 و 2021، حوالي 400 قرار، نُفذ جزء منها فيما لم يقع تنفيذ الجزء المتبقي، مشيرا إلى أن ظاهرة انتهاك المواقع الأثرية بقرطاج برزت منذ 2011، لتبلغ أوجها بين سنة 2012 وسنة 2016، على حد قوله.

وقال معز عاشور إن الموقع الأثري بقرطاج الذي تبلغ مساحته حوالي 450 هكتار لن يخرج من التراث العالمي ولكن يمكن تصنيفه في قائمة التراث العالمي المهدد في حال استمرت هذه التجاوزات، وفق تقديره.

وأوضح عاشور أن مهام المعهد الأعلى للتراث تقتصر على المعاينة ورصد التجاوزات وطلب إصدار قرارات الهدم، مشيرا إلى أنه تم في 2018، اقتناء ثلثي منطقة المركاض فيما تم بين سنتي 2018 و 2020، اقتناء 53 عقارا إلى جانب رصد ميزانية لسنة 2021، لاقتناء أراضٍ من الدولة لفائدة المعهد، وذلك لحماية هذه المواقع من الاندثار ومن التجاوزات، وفق قوله.

المنطقة الأثرية في خطر

قالت مديرة البحوث في المعهد الوطني للتراث ورئيسة جمعية أصدقاء قرطاج، ليلى العجيمي السّبعي، إن الدولة التونسية باتت صامتة وعاجزة عن حماية مواقعها الأثرية بقرطاج في ظل سعي لوبيات لوضع اليد على المنطقة الأثرية وفق تعبيرها.

وشددت السبعي على ضرورة توقيع وزارتي الشؤون الثقافية والتجهيز والإسكان والبنية التحتية على القانون عدد 35 لسنة 1994 لمجلة حماية التراث والفنون التقليدية الذي ينص على حماية وتثمين الأراضي الأثرية في إطار لجنة وطنية، مشيرة إلى أنه من المنتظر أن تنفذ الدولة مشروعا في المناطق الأثرية لوضع حفريات وترميم وإنجاز مشروع ثقافي، ما من شأنه توفير مواطن شغل، وفق تعبيرها.

وفي المقابل بينت رئيسة جمعية أصدقاء قرطاج أن البلدية باتت تمتنع عن تنفيذ قرارات الهدم حيث لم يقع تنفيذ حوالي 300 قرار ،مشيرة إلى أنها قامت مؤخرا بتنفيذ قرار هدم في حق امرأة من الطبقة الهشة، ما أثار غضب نشطاء بالمجتمع المدني.

ويعد الموقع الأثري بقرطاج ثروة وطنية مصنفة كإحدى مواقع التراث العالمي منذ سنة 1979، إلا أن هذه الثروة باتت مهددة بالإندثار نتيجة اعتداءات عديدة وانتهاكات متواصلة، في ظل غياب إجراءات جدية وحازمة لحمايتها.

ورغم التجاوزات التي رصدها المعهد الوطني للتراث، وطالب على إثرها بضرورة تطبيق القانون وتنفيذ قرارات الهدم ضد عديد المباني العشوائية التي انتشرت في هذا الموقع إلا أن القرارات ما زالت إلى غاية اللحظة مجرد حبر على ورق.