صحيفة الأحد – Jdd Tunisie

من إدارة الأزمات الى الإدارة بالأزمات: للاستشراف والدراسات الاستراتيجية والأمنية المتقدمة

 تعد صناعة الأزمة ممارسة قديمة استخدمت للسيطرة على الافراد والمؤسسات بهدف تحقيق مصالح وأهداف صانعي الأزمة على حساب الطرف المقابل، ويتم افتعال الازمة عادة عن طريق برنامج عمل محدد الأهداف والمراحل، مع التقاط لحظات ضعف الطرف المقابل أو هفواته أو انشغاله بظرف صعب وذلك بهدف زعزعة كيانه وضرب مقوماته الإدارية والاجتماعية، تحقيقًا لأهداف سياسية أو اقتصادية أو عسكرية. ويمكن ان يكون الطرف المستهدف دولة اوحكومة او مؤسسة او إدارة.

ان صناعة و توجيه الراي العام وافتعال الازمات عبر وسائل الاعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، بنشرالاشاعات والمغالطات والتزييف و توجيه الاتهامات  او التضليل والمزايدات  أصبحت ممارسات تجيدها الحكومات والعديد من الاحزاب والتنظيمات العاملة تحت مسميات دينية او خيرية او حقوقية وصارت تلعب هذا الدور عن  دراية ومعرفة او بدونهما.ولا تتورع عن الخداع ونشر مناخات من الخوف والشكوك تحقيقا لمصالحها،  وقد اصبحت اجهزة الامن القومي والاستعلامات  تهتم  بدراسة افتعال الازمات اوالادارة بالازمات

 Management By Crises)  (في اطار مهام الاستباق تفاديا لانواع جديدة من التهديدات والمخاطر.1

فما هي الإدارة بالازمات ؟ وماهي أهدافها ومواصفاتها ؟

     بداية من الضروري التمييز بين إدارة الأزمات  والادارة بالأزمات . اذ تعبر الاولى عن الجهود والأنشطة الهادفة إلى تجاوز الأزمات باستخدام الأساليب والوسائل الإدارية والعلمية المختلفة ،من خلال عملية شاملة ومتكاملة تستفيد من الجوانب الإيجابية للأزمات وتتجنب آثارها السلبية ،فعلم إدارة الازمات هو علم ضبط  التوازنات ورصد حركة واتجاهات القوة والتكيف مع المتغيرات المختلفة داخل المؤسسة ، وهي عملية إدارية دقيقة،من شانها انتاج استجابة استراتيجية لمعالجة الازمة وذلك بجهد مجموعة من الإداريين المنتقين مسبقا والمدربين والذين يستخدمون مهاراتهم  من اجل تقليل اضرار الازمة الى الحد الأدنى ،  والانتهاء بالسيطرة عليها ،اما الإدارة بالأزمات فهي عملية صنع الأزمات وافتعالها بهدف إبعاد الأنظار عن المشاكل القائمة وتوجيه الانتباه بعيدا إلى قضايا أخرى قصد تحقيق غايات ومصالح محددة، والأزمات المفتعلة قد تكون في مجالات السياسة اوالتجارة أو المال أو الادارة أو غيرها.

ويتم الالتجاء الى استخدام أسلوب الإدارة بالأزمات لتحقيق عدة اهداف ، كالتمويه على إخفاقات  وفشل القيادات  في أداء مهامها الإدارية والمالية. او عجز الدولة  او المؤسسة على التكيف مع متطلبات مرحلة محددة، ويهدف هذا الأسلوب للسيطرة على المرؤوسين وتوجيههم نحو تحقيق مصالح  ورغبات معينة ،ويساعد على بروز الازمة المصطنعة، توفر شروط  موضوعية ،يكون لها من القوة والفاعلية ما يمكنها من التغطية الفعلية على الازمة  المراد التغطية عليها و من بين تلك الشروط اعداد مسرح الازمة ، واحكام توزيع الأدوار على الأطراف المشاركة في صنعها، التحضير المسبق وتهيئة الظروف المناسبة لها  و توفير المبرر والذريعة واختيار الموعد المناسب في أجواء تكون عادة  متوترة  2     

يستخدم العديد من قادة الرائ و أصحاب المؤسسات هذا الاسلوب لتحقيق أهدافهم وتكريس مصالحهم ، وإملائها على الأطراف الأخرى ، التي تجبرعلى تحقيق تلك المصالح والأهداف ، سواء بشكل مباشرأو غيرمباشر.

ويمر أسلوب الإدارة بالازمات بعدة مراحل انطلاقا من مرحلة الاعداد بشكل يضمن نشأة الازمة وتطورها وتعقدها ؛ مرورا بمرحلة التعبئة مع ما تتطلبه من تحشيد وتجييش للقوى المضادة او المنافسة اوالمعادية من داخل المؤسسة ومن خارجها ،لكي تظهر كازمة حقيقية تلهي أصحاب القرار على التركيز و تمنعهم من فهم ما يجري . وصولا الى مرحلة المواجهة العنيفة وهى المرحلة الحاسمة التي يسيطر فيها صناع الازمة المفتعلة على مجريات الاحداث والوصول الى الأهداف المرجوه،

ولقد عشنا في بلادنا منذ الثورة الى اليوم عدة أنواع  واشكال من الازمات المصطنعة وكانت أساليبها جد متنوعة. حيث راينا في كثير من المؤسسات والادارات كيف يتم تحويل النظرعن ازمة اجتماعية او تنموية او اقتصادية مستفحلة يتطلب حلها فهما حقيقيا لاسبابها لمعالجتها بشكل علمي، الى ازمة مفتعلة لا تاتي بالحل بل تزيد من تازيم الوضع .فيتم استخدام مجموعات موجهة لترفع في جو من العنف والفوضى شعار”ارحل” في وجه رئيس المؤسسة، فيصير المطلب ليس حل الازمة  المستفحلة بل طرد المسؤول وهكذا دواليك ؛تاخد الفوضى برقاب الجميع ،وتصبح الإدارة بالازمة دون وعي أحيانا، أسلوب ومنهج عمل .

ولنا في ازمة مؤسسة تونس الجوية وفسفاط قفصة وغيرها من مؤسساتنا الوطنية  خير مثال على ذلك ؛

في هذه المرحلة يكون  الطرف المستهدف قد فقد التوازن والقدرة على إدارة الأمور بالمؤسسة ويكون صناع الازمة المفتعلة قد بلغو مبتغاهم فتحل مرحلة التهدئة بتخفيف التوتر بين الطرفين وتنتهي بمرحلة  الابتزاز و جني المكاسب ، يسعى فيها صناع الازمة الى التظاهربتمسكهم برفعة الاخلاق  للايهام بان مطالبهم انما هي لصالح المؤسسة ولفائدة الصالح العام .

وهناك عدة أسباب تدفع الى افتعال الازمات داخل المؤسسات التي تكون تشكو أصلا من أزمات هيكلية معقدة ويكون الضعف القيادي وانغلاق الآفاق والإحباط والياس أحيانا من بين اهم الأسباب التي تدفع ببعض الأطراف الى افتعال ازمة ما داخل المؤسسة لجني فوائد معينة؛ ويكون الهدف من ذلك ابتزاز الادارة لتحقيق مصالح ذاتية من خلال نشرالاشاعات والفوضى والتمرد على السلطة (مثل الاحداث التي شهدها مستشفي صفاقس2016).  

ان تعميق الازمة في بعض القطاعات والمؤسسات ودفعها إلى أقصى مدى ممكن بما في ذلك تعطيل المرفق ذاته أو تردّي خدماته وانخفاض مردوديته وافساد مناخ العمل فيه يهدف الى إجبار قيادة المؤسسة المعنية على قبول تنازلات ما كانوا ليقبلوا بها لولا استفحال الأزمة، أن نفس هذا التمشي تم و يتمّ العمل به رغم اختلاف السياسات و الحكومات قبل  الثورة و بعدها ، عبر  مزيد تأزيم اوضاع المؤسسات العمومية والخاصة بإنتدابات عشوائية واضطرابات بحجة ضمان الاستقرار الاجتماعي وتجنّب الفوضى والعنف مع غياب خطط عملية للحوكمة وتحسين الاداء ،ما تسبّب في شلّ قدرتها الإنتاجية والتنافسية وهروب شركائها وزبائنها، 3

 ما يجري حولنا اليوم قد لا يختلف عما يجري في أنظمة دكتاتورية. اذ ما أن تنتهي ازمة مفتعلة  الا وتبرز اخرى ، تنشرالفوضى وتدفع للخمول وتعود بالبلاد أعواما إلى الوراء وهذا بالتحديد ما يطلبه حاكم مستبد لاستدامة سيطرته .وضع كان يفترض ان نكون قد تجاوزناه منذ الثورة.

ختاما ان الادارة بالأزمات،  هي تقنيات تستخدمها اغلب النظم الدكتاتورية والكليانية، و حتي الديمقراطية منها ،كما تستخدمها أحزاب ومنظمات وتنظيمات مختلفة وتقوم على التخطيط المتقن لخلق أزمة بصورة حقيقية أو بصورة مفتعلة،تغذيها عوامل مؤيده لها ثم يتم استثمارها أو استثمار الفرص التي يمكن أن تنتج عنها،لاجبار الطرف المستهدف على الخضوع لتأثيرها، وتحقيق بعض الأهداف التي كان يصعب تحقيقها في الظروف العادية.

ولإخفاء معالم الخطة وتشتيت الأنظار عن خفاياها ورموزها الفاعلة تعمد الجهة المعنية إلى إشراك أكبر عدد من العناصر المحلية وربما الخارجية بصورة غير مباشرة في أداء أدوار الأزمة وتمثيل فصولها. وأن يصحب الأزمة ضجيج وتضخيم وفوضى ولا مانع من كشف بعض المعلومات والأسرار الهامة وحتى التضحية ببعض الرؤوس ، وذلك لإضفاء أكبر قدر من المصداقية على الأزمة المفعلة.4

  و تبعاً لطبيعة الهدف المراد تحقيقه من وراء الازمة المفتعلة ، تتنوع الخطط وتختلف الأساليب فلكل هدف أزمته الخاصة به والمناسبة له، فاغلب تلك الازمات  تكون خير وسيلة للتشهير بالحكومة وبالحكم وبالادارة وطواقمها ، في حين تكون لعبة التفجيرات والاغتيالات ، الطريق الأفضل لإتهام المعارضة وتصفيتها وربما الحصول على بعض التاييد والتعاطف من أطراف محايدة. لذلك يكون من الضروري اليوم اكثر من أي وقت مضى الانتباه والوعي بهذه التهديدات والمخاطر وفهم تقنياتها وآلياتها لكي يتم التعاطي معها بشكل علمي مدروس، فلا تسقط المؤسسة وقيادتها في احابيل صناع الازمات الوهمية خدمة لمصالح ذاتية لاعلاقة لها بمصلحة المؤسسة ولا بالصالح العام،

 المراجع:

1-المركز الاروبي لدراسات مكافحة الإرهاب ؛صناعة وافتعال الازمات في عمل أجهزة المخابرات-مهدي الرسام

2-فن صناعة الازمات وادارتها https://www.essahafa.tn 

3-تونس ازمة فعلية ام مفتعلة https://www.alaraby.co.uk

4-الازمات المفتعلة والحلول الرسميةhttps://www.kassioun.org/ 

الخروج من نسخة الهاتف المحمول