صحيفة الأحد – Jdd Tunisie

ما لم يقل عن “ملحمة بن قردان”

أحيت تونس، الأحد 7 مارس 2021، الذكرى الخامسة للعملية الإرهابية الغادرة التي استهدفت مدينة بن قردان الواقعة بأقصى الجنوب التونسي على الحدود مع ليبيا، ومثلت نقطة فارقة في تاريخ تونس التي لا زالت تحارب آفة الإرهاب إلى اليوم، هذه الملحمة التي نجحت فيها تونس في تخييب أحلام الجماعات الإرهابية في إنشاء دولة الخلافة في بن قردان، وإجهاض مساعي الإرهاب في استقطاب أهالي الجهة، لكنها كشفت في نفس الوقت تقصيرا أمنيا وغيابا للدور الاستخباراتي للمؤسسة الأمنية في استباق العملية الإرهابية.

ما قبل “الصدمة”

لا يخفى علينا الدور الهام الذي لعبته كل من المؤسسة الأمنية والعسكرية في الأحداث التي شهدتها مدينة بن قردان، والسرعة في التعامل ومجاراة الأحداث، إلا أن هناك نقائص ينبغي التطرق لها خلال الحديث عن “ملحمة بن قردان” وهي أساسا التقصير الكبير من قبل المؤسسة الأمنية على مستوى الجانب الاستعلاماتي وغياب المعلومات الاستخباراتية بالرغم من تفطن السلطات لدخول عناصر إرهابية من ليبيا يوم 2 مارس 2016، وفق ما ذكره المحامي المهتم بالشأن العام والمطلع على الوضع في بن قردان محمد ضياف في تصريح لـ” JDD”.

وبين محدثنا أنه وبعد 5 سنوات على مرور هذه الواقعة، لم يتم إلى اليوم التطرق إلى كيفية وصول هذه الجماعات الإرهابية إلى المدينة، وتوغلها بين الأهالي ونجاحها في السيطرة على مفاصل المدينة، وتمركز عناصرها بمداخل المدينة ومخارجها وبمقرات السيادة، فجرا، دون التفطن إلى مخططاتها لتقوم وبصفة متزامنة بمهاجمة الثكنة العسكرية “جلّال”، ومنطقتي الحرس والأمن الوطنيين، ومستشفى الجهة، معلنة عزمها إقامة إمارة تابعة لتنظيم داعش الإرهابي ومطالبة الأهالي بمساندتهم.

وأشار ضياف إلى أن هناك عناصر من أبناء الجهة، ضالعة في تسهيل دخول الجماعات الإرهابية من ليبيا إلى تونس ودعمها من خلال توفير المؤن، وأن 80 بالمائة من المتورطين في أحداث بن قردان هم “خلايا نائمة” من أبناء الجهة علما وأن البقية قدموا من ليبيا، بينهم ليبيون وجزائريون وتونسيون، إثر القصف الأمريكي لمعقل التنظيم الإرهابي في مدينة صبراتة الليبية، مما عجل عملية وصول الجماعات المسلحة إلى مدينة بن قردان في مارس، بينما كانت العملية في الأصل مبرمجة في غضون أشهر إضافية.

وبالرغم من رد الفعل السريع من المؤسسة الأمنية والعسكرية، في التعاطي مع الواقعة التي أسفرت عن القضاء على أكثر من 50 عنصرا إرهابيا واستشهاد 19 مواطنا تونسيا بينهم أمنيون وعسكريون ومدنييون، إلا أن التعامل الأمني مع ما سبق الحادثة شهد تقصيرا كبيرا خاصة وأن الإرهابيين عانوا قبل وصولهم إلى المدينة قادمين من ليبيا، وتعطلت سياراتهم وأمضوا ليلة كاملة بصدد ردم الساتر الترابي، لتسهيل مرور سياراتهم ولم يتم التفطن لهم، مستغربا من تمكن “رتل” من السيارات قادمة من دولة أخرى من الدخول إلى التراب التونسي، دون علم السلطات بالرغم من وجود الساتر الترابي، مشيرا إلى أن العناصر الإرهابية استقرت في الجهة لمدة 3 أيام وبدأت عمليات التخطيط وإخراج الأسلحة من المخازن في ظل غياب الدور الأمني، بالرغم من أن أحد المهربين قام بإبلاغ الأمن بوجود سيارات قادمة من ليبيا متجهة نحو مدينة بن قردان، ولم يتم التعامل مع هذه المعلومة كما يجب، مشيرا إلى أن المهرب الذي قدم المعلومة وقعت تصفيته من قبل الدواعش في وقت لاحق.

“الصدمة”

وفند محدثنا رواية تواطؤ أهالي بن قردان في تسهيل مرور العناصر الإرهابية، مؤكدا أن الواقعة مثلت نوعا من الصدمة في البداية لدى الأهالي، خاصة وأن العناصر الإرهابية استغلت عامل المباغتة لنشر وحداتها في مداخل ومخارج المدينة منذ الفجر، فيما قام الدواعش بإبلاغ سكان المدينة بسيطرتهم على الجهة، مبينا أن الأهالي خضعوا لتعليمات التنظيم الإرهابي خوفا على حياتهم، مؤكدا أن الرواية الرسمية تشير إلى أن الأهالي كانوا في صفّ الجيش والأمن وهو ما مثل أيضا صدمة لدى التنظيم الإرهابي الذي كان يعول على مساندة الأهالي.

واختارت العناصر الإرهابية مدينة بن قردان نظرا للعامل الجغرافي لكونها متاخمة للحدود الليبية، ولمراهنة تنظيم داعش الإرهابي على توفر الحاضنة الشعبية الداعمة له في المدينة، لتنقلب توقعاتهم ضدهم بعد وقوف الأهالي مع قوات الجيش الوطني والحرس الوطني والشرطة ضدهم.

ودعا ضياف، الخبراء الإستراتيجيين الأمنيين والعسكريين إلى بحث التقصير الأمني خاصة وأن المجموعات الإرهابية قادمة من دولة أجنبية واستقرت في منازل وتنقلت في الجهة لأيام وعمدت إلى إدخال الأسلحة في ظل غياب تحصين الحدود وغياب المعلومة الأمنية، من أجل تفادي وقوع مثل هذه العمليات في المستقبل، معتبرا أنه لولا التقصير الأمني لما تمت العملية أصلا.

وانطلقت أحداث الملحمة التي أصبحت اليوم فخرا للتونسيين، فجر يوم 7 مارس، حيث عمدت جماعات إرهابية مسلحة إلى السيطرة على الجهة في محاولة منها لإرساء إمارة تابعة لتنظيم داعش الإرهابي، لكنها عادت أدراجها تجر أذيال الخيبة بعد اشتباكها مع الجيش والحرس الوطنيين والشرطة، وانتهت المواجهات في منتصف النهار لكن عمليات المطاردة تواصلت لأيام متتالية فيما انتهت العملية يوم 10 مارس 2016 بالقضاء على 55 عنصرا إرهابيا واستشهاد 19 مواطنا تونسيا بينهم عسكريون وأمنيون ومدنيون.

ما بعد “الصدمة”

وبعد ساعات من الاشتباكات تم القضاء على الإرهابيين، فيما تم الإعلان عن غلق المدارس والإدارات وإعلان حظر تجول بالمنطقة، ليعلن كل من رئيس الحكومة الحبيب الصيد ووزير الداخلية الهادي المجدوب ووزير الدفاع الوطني فرحات الحرشاني، في ندوة صحفية في صباح اليوم التالي 8 مارس 2016، عن إحباط مخطط لإقامة إمارة إسلامية تابعة لتنظيم داعش الإرهابي في مدينة بن قردان.

وتجددت الاشتباكات في بن قردان ليلة 8 مارس 2016، لكن قوات الجيش والأمن الوطنيين تمكنت من السيطرة على الوضع ونجحت في القضاء على 6 عناصر إرهابية متحصنة بأحد المنازل بضواحي المدينة، وتواصلت عمليات المطاردة يوم 9 مارس، لتسفر عن تصفية 4 إرهابيين واستشهاد جندي وجرح مواطن آخر.

وفي 10 مارس، تم القضاء على 4 عناصر إرهابية واعتقال عنصر آخر من قبل وحدات الحرس والجيش الوطنيين، لترتفع حصيلة العناصر الإرهابية التي وقع تصفيتها إلى 50 إرهابيا فيما تم اعتقال 8 عناصر آخرين منذ انطلاق العملية الأمنية والعسكرية فجر يوم 7 مارس 2016.

وانتهت العملية الأمنية والعسكرية بالقضاء على 55 عنصرا إرهابيا، فيما تم اعتقال 11 عنصرا آخرين بالإضافة إلى حجز أسلحة متطورة كانت على متن شاحنة، كما تم العثور على 6 مخابئ للأسلحة تحتوي على كميات كبيرة من المسدسات الرشاشة من نوع كلاشنكوف ومسدسات أخرى وألغام مضادة للدبابات ورمانات يدوية وقاذفات صواريخ آر بي جي وكميات هامة من الفتيل الصاعق.

جدير بالذكر أن تونس لا تزال إلى اليوم تصارع آفة الإرهاب التي تغلغلت في البلاد بعد ثورة 14 جانفي 2011، وأسفرت عن سقوط العديد من الشهداء سواء من المؤسسة الأمنية والعسكرية أو من المدنيين.

الخروج من نسخة الهاتف المحمول