حدد الدستور التونسي بوضوح صلاحيات رئيس الجمهورية، من الفصل 72 إلى الفصل 88، حيث يختص في الإشراف على وزارتي الدفاع والخارجية وترؤس مجلس الوزراء.
وقد يتبادر إلى الأذهان وجود تداخل وتنازع بين صلاحيات رأسي السلطة التنفيذية في تونس، أي بين قيس سعيد رئيس الجمهورية من جهة، وهشام المشيشي، رئيس الحكومة، من جهة ثانية، خاصة بعد إقدام هذا الأخير على إجراء تحوير وزاري أعلن عنه يوم 16 جانفي 2021، دون الرجوع إلى القائد الأعلى للقوات المسلحة لاستشارته والذي بمقتضاه ما زال الوزراء الـ 11 الذين عينهم المشيشي ونالوا ثقة البرلمان، بتاريخ 26 من نفس الشهر، في انتظار أداء اليمين أمام رئيس الدولة.
“تركيز المحكمة الدستورية سيوقف الاعتداءات بين رأسي السلطة التنفيذية”
ولفهم هذا الإشكال، قال الباحث في القانون الدستوري رابح خرايفي إن غياب المحكمة الدستورية، هو الذي خلق هذا التنازع، خاصة وأن الدستور حدّد صلاحيات كل طرف من رأسي السلطة التنفيذية، ولا وجود لأي إشكال حول هذه المسألة.
وأضاف الأستاذ أن التنازع الحاصل هو حول تأويل الفصول الدستورية، وتفسيرها وهوما سيتم حسمه من خلال تركيز المحكمة الدستورية، التي بدورها ستوقف”الاعتداءات” المتبادلة بين رأسي السلطة، حسب شرحه.
كما أكد الخرايفي أن الطبقة السياسية سواء في رئاسة الحكومة أو الرئاسة عاجزة عن فهم القيم الديمقراطية، باعتبارها لم تتكون على قيم الالتزام الذاتي، وفق رأيه، ملاحظا وجود شخصنة للسلطة ورغبة ذاتية أكثر منها رغبات تصب في مصلحة المؤسسات، وفق تصريحه لـ “jdd”.
التحوير الوزاري: بين استقالة المشيشي أو قبول قيس سيعد به
من جهته لخص القاضي الإداري المتقاعد أحمد صواب، الحلول الممكنة لتجاوز أزمة تنازع الصلاحيات بين رئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس الجمهورية قيس سعيد، في 3 حلول ممكنة.
وقال في تصريح لـ”jdd”، إن الحل الأول وحتى لا يكون هناك انقلاب على الدستور، هو قبول رئيس الجمهورية بالتحوير الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة، ليكون الحل الثاني والذي وصفه بـ’الاحتياط’ في استقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي.
وأضاف القاضي أحمد صواب، أن الحل الثالث و”الاحتياطي” يكمن في تجاوز رئيس الحكومة لرئيس الجمهورية والمرور بقوة، وهو ما سيزيد من تعميق الأزمة بين الطرفين، حسب قوله، محذرا من فرضية تنحية الـوزراء الذين قال عنهم رئيس الجمهورية إن هناك شبهات فساد تتعلق بهم، وهو ما اعتبره محدثنا أخطر الحلول وانقلابا على الدستور، حسب رأيه.
وبخصوص المحكمة الدستورية، أكد صواب أنها ليست مختصة في مثل هذه المسائل، علاوة على أن تركيزها يحتاج لسنتين على أقل تقدير، خاصة وأن هذه المواضيع الحارقة تحتاج لحلول قريبة المدى واستعجالية.
الحل لتجاوز تنازع الصلاحيات بين المشيشي وسعيّد يمكن في تنازل كل منهما
الكاتب والمحلل السياسي ماجد البرهومي كان له رأي في مسألة التنازع في الصلاحيات بين المشيشي وسعيد، وقدّم تشخصيا من وجهة نظره، فطرح أسباب هذه الأزمة وقدم الحلول.
وفي تصريح لـ”jdd”، قال البرهومي أن السبب الأول والرئيسي للأزمة بين رأسي السلطة هو النظام السياسي الهجين الموجود في البلاد، معتبرا أن الأنظمة الهجينة مخالفة للقواعد العامة للقوانين الدستورية، وهوما ينطبق على تونس، خاصة وأن رئيس الجمهورية محدود الصلاحيلات وفقا للدستور، رغم انتخابه من الشعب عن طريق الصناديق.
وأوضح المحلل السياسي أن نجاح عمل رئيس الحكومة رهين تكوين حزام برلماني داعم له، خاصة من الأحزاب السياسية الفائزة بالمراتب الأولى في الانتخابات التشريعية، مضيفا أن من أسباب هذا التنازع على الصلاحيات، هو حركة النهضة، حسب رأيه باعتبارها أسقطت حكومة الحبيب الجمني وهو ما منح رئيس الجمهورية الحق في تعيين رئيس حكومة جديد، وفق ما يقتضيه الدستور، محملا إياها المسؤولية الكبرى في إدخال البلاد في حالة من عدم الاستقرار السياسي، وأيضا تعطيلها لتركيز المحكمة الدستورية التي طال انتظارها، والتي ستكون هي الحكم والفيصل لفض كل الخلافات.
كما اعتبر البرهومي أن رئيس الجمهورية يتحمل جزءا من المسؤولية فيما تعيشه البلاد من أزمة، وذلك من خلال رفضه لأداء عدد من الوزراء اليمين الدستورية، موضحا أنه كان من الممكن أن يتصرف بأكثر حكمة كسلفه الراحل الباجي قائد السبسي، وقبول الوزراء خدمة لمصلحة البلاد.
هذا وتحدث المحلل السياسي ماجد البرهومي عن الحلول الممكنة في ظل غياب المحكمة الدستورية، للخروج من قضية التنازع حول الصلاحيات بين رأسي السلطة التنفيذية، معتبرا أن تنازل أحد الطرفين من رئاسة الحكومة أو رئاسة الجمهورية، هو السبيل للمضي نحو الأمام، وذلك من خلال الجلوس حول طاولة حوار وطني ترعاها المنظمات الوطنية، ليقدم كل طرف تنازلاته خدمة لمصلحة البلاد، حتى لا نصل إلى حل لا تحمد عقباه وهو التدخل الخارجي في السيادة الوطنية وفرض مواقفه، وإملاءاته.
وعموما قد تنتهي أزمة الصلاحيات بين رأسي السلطة التنفيذية في تونس قريبا وقد يطول انتظارها، خاصة وأن الحل لإنهاء هذا التنازع ليس بالمستحيل، ولكن ما هو مؤكد أن الوضع العام في البلاد لم يعد يحتمل مزيدا من الارتباك خاصة وأن الأزمة السياسية إذا تواصلت تصبح لها تداعيات سلبية على ،الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ناهيك عن الوضع الصحي، الذي كان وما زال من أبرز الأولويات.