خلّف قرار الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية بتونس 1، والقاضي بالسجن 8 سنوات مع النفاذ العاجل في حق سامي الفهري، في قضية “كاكتوس”، جملة من التساؤلات حول حيثيات هذه القضية، بسبب الشبهات المتعلقة بالإخلالات والخروقات، خاصة فيما يتعلق بالإجراءات القانونية بشهادات محامين ومختصين اعتبروها أكبر فضيحة في تاريخ القضاء.

وأصدرت الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية تونس 1، في جلستها المنعقدة فجر اليوم الثلاثاء 9 مارس 2021، أحكاما بالسجن في حق كل من رجل الأعمال وصاحب قناة الحوار التونسي سامي الفهري وبلحسن الطرابلسي، صهر الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وتغريمهما بخطية مالية تقدر بـ 40 مليون دينار فيما بينهما، في القضية المتعلقة بعقود الإشهار بين شركة “كاكتوس برود” والتلفزة الوطنية، وفق ما أكده الناطق الرسمي باسم النيابة العمومية، محسن الدالي.

أطوار القضية

وأكد المحامي علاء الدين الكنزاري، القائم بالحق الشخصي في قضية “كاكتوس”، التي رفعتها نقابة التلفزة الوطنية بالتعاون مع هيئة مكافحة الفساد برئاسة عبد الفتاح عمر، في تصريح لـ”JDD”، أن أطوار القضية تعود إلى تاريخ 28 فيفري 2011، عندما تم تقديم شكايتين منفصلتين وتم بحث تحقيقي في الموضوع، لتصدر اختبارات من 3 خبراء معينين من عميد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس، تثبت استيلاء شركة كاكتوس في شخص وكيلها وشركائها، سامي الفهري وبلحسن الطرابلسي، على مبلغ 22 مليار و911 مليون.

وانطلقت الأبحاث في القضية منذ ذلك الحين، لتصدر المحكمة الابتدائية بتونس، الاثنين 8 مارس 2021، بعد جلسة استمرت لأكثر من 6 ساعات، بالسجن 8 سنوات مع النفاذ العاجل، في حق سامي الفهري و 10 سنوات مع النفاذ العاجل، في حق بلحسن الطرابلسي، وتغريمهما بخطية مالية قدرها 40 مليون دينارا، فيما قضت المحكمة بعدم المؤاخذة الجزائية عملا بقانون المصالحة الإدارية، لكل من المستشار السابق لبن علي عبد الوهاب عبد الله و5 رؤساء مديرين عامين سابقين للتلفزة الوطنية وهم محمد الفهري شلبي، ومنصف قوجة، وإبراهيم الفريضي، ومصطفى الخماري، والهادي بن نصر، في قضية الإشهار محل النزاع بين شركة “كاكتوس برود” والتلفزة الوطنية إبان الثورة، بحضور جميع المتهمين باستثناء بلحسن الطرابلسي الذي حكم عليه غيابيا.

ويقوم بالحق الشخصي في هذه القضية، 4 أطراف هم على التوالي، مؤسسة التلفزة الوطنية، ونقابات مؤسسة التلفزة والمكلف العام بنزاعات الدولة وشركة خاصة هي غولدن بروداكشن، وفق محدثنا الذي أشار إلى عديد الإخلالات والتجاوزات التي قامت بها شركة “كاكتوس” في حق التلفزة الوطنية، فيما يتعلق بالإشهار والفوترة واستغلال تجهيزات المؤسسة، والتي حددها تقرير الاختبار بـ 24 مليارا، بالإضافة إلى إشكاليات بيع الحلقات بـ 80 ألف دينار للمؤسسة.

وأكد المحامي، أنه تم هضم حق مؤسسة التلفزة الوطنية وأن مبلغ جبر الضرر والذي وقع تحديده بـ أكثر من 22 مليارا قليل جدا مقارنة بما تم الاستيلاء عليه من أموال، وتطالب التلفزة الوطنية بتعويضات بقيمة 120 مليارا في حين لم تثبت تقارير الاختبارات المجراة إلا مبالغ تناهز 24 مليارا، نظرا لعدم توصلها إلى المحتويات الإعلامية التي تتضمن المحتوى الإشهاري وهو ما صعب حصر قيمة الضرر الذي لحق بالمؤسسة الوطنية.

وبيّن أن 5 دوائر جنائية نظرت في هذا الملف، وأن 25 قاضيا اطلعوا على القضية في أطوارها الثلاث ابتدائيا واستئنافيا وتعقيبيا وهو ما يؤكد سلامة الإجراءات المعمول بها خلافا لما ذكره الخصم.

فضيحة في تاريخ القضاء

اعتبرت المحامية سنية الدهماني، في تصريح لـ”JDD”، اليوم الثلاثاء 9 مارس 2021، أن الحكم الصادر في حق سامي الفهري والقاضي بالسجن 8 سنوات مع النفاذ العاجل مع تغريمه بخطية مالية تناهز 40 مليون دينار، بالتضامن مع بلحسن الطرابلسي، “قاس جدا” في قضية سجلت فيها العديد من الخروقات القانونية، كما أن الأفعال المنسوبة إلى الفهري “لا ترتقي إلى الجريمة المنسوبة إليه”، وفق تقديرها.

من جهتها بينت سنية الدهماني، أن ما كانت تنتظره في ملف الفهري هو أن تصدر المحكمة أحكاما بعدم سماع الدعوى لبطلان الإجراءات أو الحكم بعدم سماع الدعوى للصبغة المدنية، نظرا لكون الاتهامات في قضية الحال متعلقة بالجانب المالي، مشيرة إلى أنه كان بالإمكان التوجه إلى القضاء التجاري في هذا النوع من القضايا، مشيرة إلى أن الحكم بالسجن 8 سنوات كان عبارة عن صدمة.

وأشارت محدثتنا إلى وجود سابقات خطيرة في هذه القضية، التي قالت إنها “ستدرّس لأجيال وأجيال في الجامعة التونسية لكونها أكبر فضيحة في تاريخ القضاء”.

وقام لسان الدفاع بتبرير جميع الخروقات المسجلة في ملف هذه القضية للمحكمة كما بين أن الأفعال لا ترتقي إلى جريمة، وأن القاضي مسؤول عن الأحكام التي تصدر عنه، وفق محدثتنا التي أكدت أن هذا الحكم ليس نهائيا وأنه قابل للاستئناف وهو ما سيقوم بيه محامي الدفاع عن سامي الفهري.

خروقات قانونية بالجملة

من جهته كشف محامي سامي الفهري، عبد العزيز الصيد، عن وجود العديد من الخروقات القانونية في ملف قضية “كاكتوس” مشيرا إلى أن ملف القضية المنشور منذ 10 سنوات شهد عديد الإخلالات القانونية.

وبين الصيد أنه من بين الإخلالات المسجلة إقرار قاضي التحقيق بإبقاء منوبه سامي الفهري في حالة سراح، فيما تقرر دائرة الاتهام إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حقه خلال ما وصفه بالجلسة “العجيبة”، وقد تم بعد تعقيب القرار، إصدار حكم بالافراج عن سامي الفهري من قبل محكمة التعقيب، وبعد إعلامه بتحضير نفسه لمغادرة السجن فوجئ برفض الإفراج عنه من قبل النياية العمومية.

يشار إلى أنه تم الإفراج عن سامي الفهري، بتاريخ 17 فيفري 2021، بعد إيداعه بالسجن تنفيذا لبطاقة إيداع ثانية صدرت في حقه، عن دائرة الاتهام بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي بمحكمة الاستئناف بتونس، بمعية المتصرفة القضائية لشركة “كاكتوس برود” ووكيل شركة “آيت برود”، بتاريخ 30 جانفي 2020.

ويأتي ذلك إثر شكاية تقدم بها المكلف العام بنزاعات الدولة، في حق وزارة أملاك الدولة ولجنة المصادرة، تتعلق بفتح تحقيق في القضية الحال، من أجل جرائم “غسل أموال واستغلال موظف عمومي لصفته من أجل الإضرار ومخالفة التراتيب.

دعوة لتفعيل قانون المصالحة الإدارية

وطالب القائمون بالحق الشخصي، بتسليط أقصى العقوبات على المتهمين إلى جانب جبر الضرر المادي للتلفزة الذي يقدر بـ 24 مليارا، وفق تقرير الاختبارات.

كما طالبوا بعدم تفعيل قانون المصالحة الإدارية مع المتهم عبد الوهاب عبد الله، لعدم توفر الشروط القانونية فيه، فيما يؤكد محامو المتهمين بتطبيق قانون المصالحة الصادر في 24 أكتوبر 2017، وعدم سماع الدعوى العامة والتخلي عن الدعوى الخاصة لعدم الصفة.

كما طالب محامون عن المديرين العامين السابقين للتلفزة بتفعيل قانون المصالحة الإدارية في حق موكليهم، مشيرين إلى أن تقرير الاختبار الفني أقرّ بعدم تورطهم في الاستيلاء على عائدات الإشهار محل النزاع.

تجدر الإشارة إلى أنه تم التصويت على قانون المصالحة الإدارية في البرلمان، والذي يهم الموظفين الذين حققوا منفعة لغيرهم دون الاستفادة منها مباشرة، فيما وقع إسقاط قانون المصالحة في المجال المالي، الذي يتعلق بجميع الأشخاص الذين حققوا منفعة مالية دون وجه حق، وهو ما يفسر تواصل التتبعات في حق عدد من رجال الأعمال منهم صهر الرئيس الراحل بن علي بلحسن الطرابلسي وصاحب قناة الحوار التونسي سامي الفهري.