صحيفة الأحد – Jdd Tunisie

المصادقة على تنقيح قانون المحكمة الدستورية.. مخاض عسير (محيّن)

تتأسس الدولة الديمقراطية على وجود جهاز مستقل ضامن لعلوية الدستور واحترامه من طرف جميع السلط، غير أن هذا المسار لا يزال ضبابيا في تونس، وتحوم حوله عراقيل عديدة، إذ لا تزال المحكمة الدستورية بمثابة الثغرة الكبيرة في الانتقال الديمقراطي التونسي، لتبقى واحدا من أبرز العراقيل التي تهدد نجاح التجربة السياسية.

وينص الدستور التونسي في هذا الإطار على أن المحكمة الدستورية هي هيئة قضائية مستقلة، ضامنة لعلوية الدستور وحامية للنظام الجمهوري الديمقراطي وللحقوق والحريات، تتنوع مهامها وتتعدد حيث أنها تمثل أحد أعمدة النظام السياسي.

غياب المحكمة الدستورية يؤرق المشهد السياسي

تختص المحكمة الدستورية وفق الفصل 120 من الدستور التونسي دون سواها بمراقبة دستورية مشاريع القوانين بناء على طلب من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو ثلاثين عضوًا من أعضاء مجلس نواب الشعب، كما تنظر في المعاهدات الدولية وتطبيق قانون الطوارئ.

كما تختص أيضًا في مراقبة مشاريع تعديل الدستور والمعاهدات والنظام الداخلي للبرلمان، وتبت في استمرار حالات الطوارئ والنزاعات المتعلقة باختصاصي رئيسي الجمهورية والحكومة، وتنظر في إعفاء رئيس الدولة في حالة الخرق الجسيم للدستور، وتبعا لذلك فهي على بالغ من الأهمية في المشهد السياسي ولها تأثير واضح على إثر غيابها في تأزم الوضع السياسي الحالي في البلاد.

وتعتبر المحكمة الدستورية مؤسسة مستقلة تضمن الطابع الديمقراطي والجمهوري للنظام السياسي، كما تضمن الفصل بين السلطات الثلاث والتوازن في ما بينها، ومن أهم صلاحياتها مراقبة حالة الشغور المؤقت أو النهائي في مناصب الرؤساء الثلاثة، الجمهورية والحكومة والنواب، لذلك يرى عديد المراقبين أن عدم تشكيل المحكمة الدستورية على الرغم من مرور أكثر من 6 سنوات على المصادقة على دستور الثورة، بمثابة نقطة سوداء على صفحة البرلمان المطالب بالإسراع في إتمام هذه الخطوة المهمة بالنسبة لتجربة الانتقال الديمقراطي التونسي.

وفي هذا السياق، بقيت التجربة الديمقراطية التونسية مبتورة لعدم اكتمال تشكيل المحكمة الدستورية، التي تعد بمثابة جوهر الدستور، والهيكل الضامن لاحترام الجميع لحسن تطبيقه، والتي بإرسائها ستنتهي نزاعات وخلافات عدة تعيش على وقعها البلاد التونسية اليوم، وذلك من خلال فصل التجاذب بين السلطات وفك التنازع الاختصاصي القائم مثلاً بين رئيسي الجمهورية والحكومة، كما ستحسم الخلاف حول تعديل الدستور وتعديل المسار السياسي فلم تعرف تونس من قبل حديثاً عن إرساء هذه الهيئة القضائية المستقلة التي ستصبح منفذا لكل السلطات.

تفاؤل حذر

يبدو أن الوضع السياسي والمواجهات التي يشهدها مجلس نواب الشعب والمشهد السياسي بصفة عامة يعكس التوترات والتشنجات الواقعة والتي ساهمت في تأجيج الوضع وتعقيده، فمن أسابيع عديدة شهد البرلمان التونسي موجة من العنف بسبب الاحتقان السياسي، فبعد تأخير يقارب 7 سنوات عن الأجال الدستورية نتيجة اندثار الوعي لدى البرمانيين بمكانة المحكمة الدستورية في دولة ديمقراطية لا زالت تعيش في انقاسامات حادة إضافة إلى غياب مخيف للإرادة الحقيقية بالنهوض والاصلاح بعد حوالي عقد على قيام الثورة.

وفي هذا السياق ينص الدستور التونسي في فصله 118 على أن “المحكمة الدستورية هي هيئة قضائية مستقلة تتكوّن من 12 عضواً من ذوي الكفاءة، معظمهم من المتخصّصين في القانون الذين يجب أن لا تقل خبرتهم عن 29 سنة”، واشترط القانون التونسي للفوز بعضوية المحكمة الدستورية، أن يحظى المرشح بأغلبية الثلثين من أصوات نواب البرلمان، وهو ما لم يحصل إلا في مناسبة واحدة، حين انتخب البرلمان في مارس 2018، مرشحة حزب “نداء تونس” بعد حصولها على 150 صوتاً، وفي المقابل لم ينجح النواب في اختيار الأعضاء الثلاثة المتبقين علما وأن الدستور نص على إرساء المحكمة الدستورية في أجل سنة بعد المصادقة على قانونها الأساسي.

وقد نظر البرلمان أمس الأربعاء في مشروع القانون الأساسي عدد 39/ 2018، المقدم من الحكومة والمتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2015 المتعلق بالمحكمة الدستورية وبمقترح مقدم من عدد من النواب لتنقيح القانون ذاته، وينص هذا الأخير على أنه في صورة لم يحرز المترشح للمحكمة الدستورية الأغلبية المطلوبة بعد ثلاث دورات متتالية، يرجح المرور لانتخاب بقية الأعضاء بالاقتراع السري بأغلبية الثلاثة أخماس.

ويتعلق مقترح القانون الأساسي عدد 2020/44 المقدم من بعض النواب في إطار المحكمة الدستورية، بحذف عبارة “تباعا” من الفصل 10 من القانون الأساسي للمحكمة بصفة تنفي إلزامية الترتيب في اختيار المجلس الأعلى للقضاء ورئاسة الجمهورية لأعضاء المحكمة الدستورية، واقترن ذلك باستكمال مجلس النواب لأعضائه الأربعة، كما شملت التنقيحات المقترحة من الحكومة أساسا الفصول 11 و 12 من القانون الأساسي الحالي.

https://jdd-tunisie.com/ar/wp-content/uploads/2021/03/WhatsApp-Video-2021-03-24-at-13.28.471.mp4

ورغم أجواء التشنج بسبب رئيسة كتلة الحزب الدستوري عبير موسي بعد خلقها لحالة من الفوضى وسط قاعة الجلسة العامة للتعبير عن استيائها من عدم تقديم مقترح التعديل مكتوبا، تمت المصادقة في حدود الساعة الواحدة من يوم الخميس 25 مارس 2021، على التنقيحات التي تقدمت بها الحكومة سنة 2018، بأغلبية 110 نواب مقابل 9 محتفظين ودون اعتراض.

وعليه، تعد المحكمة الدستورية غطاء يخفي فوضى النصوص وهوس الكتل بالهيمنة، بدلاً من استكمال المسار الديمقراطي والتأسيس له، ولا تزال الاحتقانات والصراعات واردة، فهل يتم الاتفاق أخيرا على انتخاب أعضاء المحكمة يوم 8 أفريل؟ أم ستتواصل العقبات والتعطيلات المعهودة؟


الخروج من نسخة الهاتف المحمول