قال وزير الخارجية السابق خميس الجهيناوي، في حوار أدلى به لـ”JDD”، إن تونس اليوم تعيش أزمة غير مسبوقة عرّتها الخلافات الأخيرة بين مؤسسات الدولة جراء غياب الحوكمة، مشيرا إلى أن الطبقة السياسية سواء كانت في الحكم، ممثلة في الحكومة و مجلس نواب الشعب و رئاسة الجمهورية، أو المعارضة بعيدة كل البعد عن طموحات الشعب التونسي.
“النخبة في واد و بقية الشعب في واد آخر”
وأضاف خميس الجهيناوي، أن الشعب التونسي ثار على منظومة الحكم في 2011 من أجل المطالبة بالشغل والحرية والكرامة الوطنية، لكن النخب السياسية التي تتصارع فيما بينها اليوم لأسباب إيديولوجية وبحثا عن التموقع في الحكم هي من جنت ثمار هذه الحرية، فيما بقيت مطالب الشعب التونسي في التشغيل والكرامة الوطنية بعيدة عن أولويات هذه النخبة قائلا إن “النخبة في واد و بقية الشعب في واد ثان”.
وبين أن الصراع الذي نشهده اليوم بين مؤسسات الدولة في مظهره هو صراع قانوني ودستوري لكنه في الواقع صراع حول التموقع في الحكم وأن من يؤبد تواجده في الحكم سيؤبد فلسفته وبقاء حزبه في الحكم في حين أن الشعب التونسي يتوقع برنامج تنمية شامل يحقق له الشغل والرخاء مثل بقية الشعوب العالم، وفق تعبيره.
تم الترويج لإعفائي في إطار سياسي
تاريخيا ووقتيا الاستقالة سبقت الإقالة، وفق ما أكده الجهيناوي، مبينا أنه أرسل نص استقالته إلى وكالة تونس إفريقيا للأنباء، قبل إعلان رئاسة الحكومة عن قرار الإعفاء، مؤكدا أن الإقالة جاءت في إطار سياسي نظرا لعدم وجود أسباب تبررها وأن كل ما في الأمر أن هناك رئيسا جديدا تولى الحكم ورآى أنه يجب تغيير وزير الخارجية.
وانتقد الوزير السابق، طريقة تعامل رئاسة الجمهورية معه، خاصة وأنه كان من المفروض حسب ما تقتضيه التقاليد المعمول بها في العالم أن يتم التحدث مع الوزير وتسليم الملفات ثم يغادر الوزير، لكن للأسف ولأسباب كان يجهلها تم الترويج لقرار الإقالة، وفق قوله.
وعن إمكانية وجود أحكام مسبقة من رئيس الجمهورية قيس سعيد جعلته يتعامل معه بهذه الطريقة، أكد الجهيناوي أنه شخصيا لا يعرف سعيد وليس له مواقف منه، مبينا أن رئيس الجمهورية له الشرعية في تغيير كافة معاضديه لكن ذلك يكون بأساليب وطرق جاري بها العمل على الساحة الدولية بطريقة حضارية تتماشى مع المجهود الذي قام به في خدمة البلاد.
“مهامي في تل أبيب لم تكن تطبيعا بل هي تدعيم لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أراضيه”
وبخصوص علاقة إقالته من منصبه كوزير للخارجية، نتيجة حكم مسبق من رئيس الجمهورية في علاقة بالتطبيع، خاصة وأن الجهيناوي تولى منصب رئيس مكتب تونس في تل أبيب، كما أكد محدثنا أن هذا الحكم كلام فارغ ورسالة شعبوية ليس لها علاقة بالقضية الفلسطينية، مؤكدا أنه توليه لهذا المنصب لم يكن تطبيعا وإنما كان مشاركة في إطار مسار دولي ساهمت فيه تونس بكل فخر في سبيل تدعيم حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أراضيه، مذكرا بأن الفلسطينيين خرجوا من تونس وكانوا شعبا مشردا وأن الديبلوماسية التونسية لعبت دورا كبيرا في تمكين القيادة الفلسطينية من حقها في الرجوع إلى أراضيها.
وأضاف الجهيناوي أن تونس فتحت علاقات مع إسرائيل بطلب من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، على غرار دول أخرى مثل المغرب، موريتانيا، قطر، الإمارات وغيرها، من أجل دعم مسار السلام وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته في حدود 1967، وكان من المفترض أن يتم الإعلان عن إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس في جويلية من سنة 1999، مشددا على أن هذه العلاقة ليس لها أي صلة بالتطبيع مع إسرائيل، مؤكدا أن تونس ذهبت في هذا التمشي منذ عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة إلى اليوم.
ودعا إلى النأي بالقضية الفلسطينية عن الأغراض الشعبوية، معتبرا أننا بهذا الأسلوب لن نضيف أي نقطة جديدة في حقوق الفلسطينين، وفق قوله.
ليس لدينا تطبيع في تونس
وأكد الجهيناوي، أن تونس لم تطبع العلاقات مع إسرائيل، مؤكدا أنه ليس هناك تطبيع في تونس، عدى حالات شاذة في القطاع الخاص وفي المجال الفني وبعض المواطنين، لكن الدولة التونسية ممثلة في الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال إلى اليوم تتخذ تمشيا واضحا رافضا للتطبيع منذ عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في إطار وعيها بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وفي تحقيق ذلك لدى الأطراف الدولية.
وبخصوص مطالبة إسرائيل للسلطات التونسية بالتعويض عن ممتلكات اليهود الفارين من تونس، أكد الجهيناوي، أن الدولة التونسية ليست مطالبة بالتعويض لإسرائيل في ظل غياب علاقة ديبلوماسية تجمع الدولتين، مشيرا إلى أن من يتحدث عن التعويض غير واع بالقانون الدولي، مبينا أن تونس لم تطرد اليهود وإنما تم استقطابهم من قبل منظمات صهيونية وفق تقديره.
“الديبلوماسية التونسية وعلاقاتها على الساحة الإقليمية والدولية تراجعت بما فيه الكفاية مقارنة بالأربع سنوات الفارطة”
ولاحظ الجهيناوي، أن الديبلوماسية التونسية اليوم ومكانة تونس وعلاقاتها على الساحة الإقليمية والدولية تراجعت بما فيه الكفاية بعد مرور سنة ونصف على الانتخابات مقارنة بالأربع سنوات الفارطة.
وبين وزير الخارجية السابق، أن علاقات تونس بدول الجوار، تعكس اليوم وضعية الديبلوماسية التونسية، وهو ما تجلى خاصة من خلال قرار الجزائر الأخير القاضي بغلق حدودها مع تونس، الذي لم يتم بالتشاور مع تونس فيه، بينما كان من المفروض أن يتم اتخاذ القرار بعد التشاور مع الدولة التونسية، وهو ما يعكس ضعف الديبلوماسية التونسية.
وبين أنه لو كانت هناك علاقات ديبلوماسية مكثفة بين تونس والجزائر، لكانت وزارة الخارجية على علم بالقرار منذ البداية.
“لا دليل يثبت وفاة الصحفيين سفيان الشورابي ونذير القطاري في ليبيا”
وفيما يخص قضية اختفاء الصحفيين التونسيين نذير القطاري وسفيان الشورابي في ليبيا، أكد الجهيناوي أنه وحتى مغادرته الوزارة سنة 2019، لا دليل يثبت وفاة الصحفيين المذكورين، مبينا أن العديد من الأطراف الليبية روجت لمعرفتها مكان جثث الصحفيين المختفيين من أجل الاعتراف بها والتفاوض معها.
وتابع قائلا “الدولة لا تتحدث إلا في ما هو ثابت في حضور دليل ثابت”، مذكرا بأنه تم إرسال وفد إلى ليبيا لمعاينة الجثث التي تم العثور عليها وقيل إنها تعود للصحفيين المختفيين، مؤكدا أنه تم رفع عينات جينية من هذه الجثث ليتبين لاحقا أنها لا تتطابق مع جينات المختفيين، مؤكدا أنه لا وجود لدليل ثابت حتى الآن يدل على وفاة الصحفيين سفيان الشورابي ونذير القطاري في ليبيا.
وشدد خميس الجهيناوي، على ضرورة تحرك الدولة التونسية من أجل التواصل مع القيادة الجديدة في ليبيا وطلب أكثر ما يمكن من المعلومات حول قضية اختفاء الصحفيين في ليبيا.