5 فيفري 1972، محطّة نضالية مفصلية في تاريخ اليسار التونسي أسّست لمرحلة استقلالية المنظمة النقابية الطلابية عن السلطة، 49 سنة مرّت على هذا الحدث التاريخي الذي مثّل منعرجا حاسما في تاريخ الحركة الطلابية، والذي أفرز مجموعة من الشعارات التي بلورت الخط النضالي العام للحركة الطلابية.
السّياق التّاريخي
تراجع دور الاتحاد العام لطلبة تونس مع بداية السبعينات حيث لم يكن موجودا بالقدر المطلوب على الساحة الطلابية لكن عدّة أحداث متواترة أفرزت معطيات جديدة في وقت لاحق، يقول أستاذ التاريخ بالجامعة التونسية الدكتور محمد ضيف الله إنّ الساحة الطلابية على مستوى إقليمي وحتى دولي عرفت متغيرات خلال هذه الفترة حيث تمّ حلّ الاتحاد الوطني للطلبة بالجزائر واتحاد الطلبة بالمغرب في جانفي 1971 و1973 على التّوالي ومنذ 1967 برزت الحركة الطلابية عالميا كقوة حقيقية.
وكانت سنة 1971 في تونس مهيّئة للتحركات، إذ نظّم الطلبة عدّة مظاهرات كان أبرزها على خلفية طرد طالب من كلية العلوم بعد خلاف مع أستاذة في الجامعة ثم عودة زوجة المناضل ضمن تجمع الدراسات والعمل الاشتراكي آفاق Perspectives، محمد بن عثمان من فرنسا والتي ألقي القبض عليها من أجل محاكمتها.
لحظة الولادة
ذكر المؤرّخ محمد ضيف اللّه لـ”JDD”، أن حركة 2 فيفري 1972 مثلت لحظة دخول عنصر جديد على الساحة الطلابية بعد انشقاق داخل الاتحاد العام لطلبة تونس بين شق أسماه “أورتودوكسي” متسلّط وشق آخر جديد شكّل مجموعة من مناصري أحمد بن صالح بعد محاكمته إثر فشل تجربة التعاضد، وهذا الشق اعتبر أنّ نتائج المؤتمر الثامن عشر للمنظمة بمدينة قربة في أوت 1971 غير شرعية وأن أشغاله غير مكتملة داعيا إلى عقد مؤتمر خارق للعادة.
وأضاف محدثنا أن هذه اللحظة الفارقة انتهت بتهميش “الاتحاد الرسمي” الذي يمثله الحبيب الشغال وانطلاق حركة التيارات السياسية ولم يعد بذلك الاتّحاد نقابة بالمعنى التفاوضي مع السلطة حيث أرسى العنصر السياسي الأيديولوجي عدة تأثيرات لفرض “اليسار الجديد”.
يعتبر ضيف الله أن سوسيولوجيا جيل السبعينات مختلف عن جيل الستينات، فالفريق الأول سليل “آفاق” الذي تأسس سنة 1963 وكانت له كتابات نخبوية موجهة للمثقفين وكان أكثر انفتاحا داخل اليسار بمختلف مشاربه في حين أن الجيل الجديد شكّل خطا إيديولوجيا ماركسيا- لينينيا واضحا.
ويضيف أنّه من الناحية الاجتماعية يعتبر جيل الستينات من الطبقة البورجوازية وأبناء المدن الذين درسوا منذ فترة قبل الاستقلال في حين أن “اليسار الجديد” من الأرياف والمناطق الداخلية وأبناء مشروع المسعدي فهما من قاعدة اجتماعية مختلفة.
“جامعة شعبية، تعليم ديمقراطي، ثقافة وطنيّة”
جاءت حركة 5 فيفري في لحظة فارقة من تاريخ تونس المعاصر راسمة الخط النضالي العام للحركة الطلابية و كانت ذات جوهر وطني ديمقراطي انطلاقا من الشعار المركزي “جامعة شعبيّة، تعليم ديمقراطي، ثقافة وطنيّة” الذي يعني ضرورة إقامة الجامعة الشعبية، و إرساء تعليم ديمقراطي علماني يكون إجباريا ومجانيا لكلا الجنسين قوامه نشر العلوم واكتساب المنجزات العلمية العصرية والخبرات الانسانية المتراكمة من أجل تطوير البلاد وتحقيق استقلالها التام، بالإضافة إلى نشر الثقافة الوطنية التقدمية المحلية والقومية والعالمية بما يعني رفع الأمية والقضاء على الجهل والرفع من المستوى التعليمي والثقافي والفني للشعب والقضاء على الفكر الظلامي.