العميد(م) المختار بن نصر: الجمعية الدولية للاستشراف والدراسات الاستراتيجية والأمنية المتقدمة

يعتبر الاتصال من أهم المواضيع التي حضيت باهتمام الباحثين والدارسين لذلك نجد له عدة تعريفات مختفلة ، واشملها هو ان ” الاتصال يعتبر نقل المعلومات والرغبات والمشاعر والمعارف والتجارب اما شفويا او باستعمال الرموز والكلمات والصور والإحصاءات بقصد الاقناع والتاثيرعلى السلوك ”  .وتتمثل المقومات الأساسية لعملية الاتصال ، في وجود مرسل ومتلق ورسالة مع الآثارالمترتبة عنها (رد الخبر). ويقتضي الاتصال ضرورة التفاعل بين طرفين (تأثير وتأثر) ؛ويتداخل مفهوم الاتصال مع مفهوم الاعلام الذي يعني نقل الخبرويظهرالفرق بينهما في ان الاتصال يتم في اتجاهين اما الاعلام فهولا يتطلب عودة المعلومة لان متلقي الرسالة غير محدد، أي ياخذ مساره باتجاه واحد، ويكون الاعلام بذلك شكل من اشكال الاتصال وجزء منه، وعليه يكون الاتصال بمعناه الواسع شامل للاعلام وليس العكس 2. ويمكن التمييز بين نوعين من الاتصالات، الاتصالات الجماهيرية والاتصالات الشخصية وهناك تصنيفات أخرى للاتصال كاتصال المؤسسة واتصال الازمات. الذي  يعتبراحد ميادين الاتصال المؤسساتي communication institutionnelle  و أحد عناصر إدارة الازمة ويمكن ان يحتوي على فرعين ، الاتصال الصالح مباشرة لادارة الازمة كانذارالمواطنين وتبليغ التعليمات والاحاطة العامة ، والاتصال حول الرهانات للحد من الجدل القائم والتناقضات لحماية الهيكل اوالمؤسسة التي تعيش الازمة ، ويظل الهدف الأساسي من اتصال الازمة الإنذار والطمأنة ،و يفعل عادة في الحالات الخطرة والخصوصية كالضربات الإرهابية او المعارك والحروب او الكوارث الطبيعية والصناعية اواثناء الاوبئة والازمات السياسية ، وذلك لتفادي حالات الفزع والذعر والحد من الفوضى والاضطرابات والاشاعات التي من شانها ان تزيد في تعقيد الوضع وتشعب الازمة.يحمل اتصال الازمة معنى التأثيروالتأثر ويحتوي على العناصر الأساسية للعملية الاتصالية المتمثلة في المؤسسة كمصدر للاتصال وشبكات اتصالها الشاملة والرسالة التي يكون مضمونها موضوع الازمة التي تمر بها المؤسسة وردود الفعل الخاصة بجمهور المؤسسة الداخلي والخارجي. والغاية من هذه العملية هو تعديل سلوك واتجاهات الجهور نحو الازمة واستغلالها بتحويلها الى فرصة لصالح المؤسسة ، ويكون اتصال الازمة مصاحب لمختلف  مراحلها،

 نعيش اليوم في حضارة الاعلام الحيني والفوري والكوني ، لذلك يظل التحكم في ميدان الاتصال من اوكد اهتمامات كل المسؤولين في كل القطاعات بلا استثناء ولان الازمة هي وضع استثنائي يتميز باختلال وظيفي وعدم الوضوح ويشكل خطرا بالغا على حياة المؤسسة او الهيكل او الدولة وعلى استمراريتها ، يتم تعيين فريق لادارة الازمة يكون مدربا ومتجانسا ومتقنا لاداء مهامه يضم خلية الاتصال التي تكلف بإرساء أسلوب عمل فعال يساعد على معالجة الازمة  يشمل ضبط  مخطط اتصال واضح ورسم استراتيجية اتصالية دقيقة.

مخطط الاتصال

تجدر الإشارة الى ان اهم أداة عمل خلية إدارة الازمة هو مخطط الاتصال الذي يرتكز على أربعة عناصراساسية :

-الاستراتجية الاتصالية التي تدعم المخطط العملياتي ،

-الجمهور المستهدف

– الناطق الرسمي

– العلاقات مع وسائل الاعلام،

ويتم اعداد هذا المخطط مسبقا والتدرب علية اثناء التمارين التي يقوم بها فريق إدارة الازمة بالمؤسسات والهياكل للتهيؤ لمعالجة الازمة حال انطلاقها بالنجاعة المطلوبة. علما انه عند تطبيق المخطط المذكور تبرز مسالة اختياراستراتجية الاتصال وضبط تمش واضح وشفاف ،غير ان ضرورة الشفافية المطلوبة بشكل واسع من المواطن والمسؤولين لا يمكن تطبيقها فعلا ، ذلك لان الازمة ليست الفترة المناسبة للانفتاح الكلي، اذ تبدو المخاطر والتحديات كبيرة ويمكن للاتصال غيرالمدروس بدقة ان يزعزع اركان المؤسسة و يزيد من تعقيد ازمتها .

تتميز الازمة بتغير عميق في مقاييس أداء العنصر البشري مع حالة من الاضطراب والضغط وفي هذا الوقت بالذات تتداخل عدة اطراف تطلب إجابات وتوضيحات حول الوضع ،كالسلطة والجمعيات والاعلام بانواعة والمجتمع المدني والشركاء .وتسعى كل وسائل الاعلام والتواصل كما يريد جمهورها للحصول على المعلومة الدقيقة في اسرع وقت ممكن .لكن المسؤول لا يعرف الكثير ولا الدقيق من المعلومات في المرحلة الأولى لانطلاق الازمة .ويكون الوضع متغير بسرعة وليس لفريق إدارة الازمة الا القليل مما ينفع من المعلومات ،فيكثراللغط والتاويل وتسري الاشاعة ويتهافت الصحافيون والاعلاميون في الوقت غيرالمناسب لمعرفة تفاصيل مايجري .لذلك يجب اعتماد وسائل خاصة وطرق عمل خاصة لهذه الظرفية الخاصة ،والتدرب على حسن الأداء خلال تمارين التشبيه والمحاكاة لادارة الازمة التي تنظمها المؤسسة في اطار التهيؤ لمجابهة الازمات وهنا تبرزالحاجة الى ضبط الاستراتجية الاتصالية لمجابهة الازمة.

الاستراتجية الاتصالية

عند انفجارازمة اوكارثة  ، يتقلص وينضغط الزمن ولا يكون هناك متسع من الوقت ،بضع ساعات فقط ، قبل ان تتهاطل طلبات المعلومات حول الوضع وتطورالحالة والإجراءات المتخذة، ويكون الاتصال محددا لانطباع الجمهوروالسلطة حول مدى التحكم في الوضع. لذلك يجب ان يكون التدخل الاتصالي سريعا ودقيقا، ولادارة أوضاع غير مرتقبة يكون على المؤسسة دراسة وتصور سيناريوهات الاحداث التي يمكن ان تطرأ و تضبط تبعا لتلك التمارين استراتيجيات الاتصال اللازمة، التي يمكن اعتمادها عند حدوث الازمة  و لكل هيكل ان يتصوراستراتيجية الاتصال الخاصة به ،الا انه يمكن حسب “ديدياي هيدريش ” Didier Heidrich   رئيس المرصد الدولي للازمات السابق ضبط ثلاثة أنواع من الاستراتيجيات الممكنة،3

استراتجية الاعتراف : La reconnaissance

تتمثل هذه الاستراتيجية في الاعتراف بالازمة بأكثر ما يمكن من السرعة ، لانه اذا تمكن الاعلام من كشف الازمة قبل المؤسسة ذلك يعني ان استراتيجية اتصال المؤسسة سيئة وان الازمة لم تعد تحت سيطرتها ،ثم يتم تحديد الموقف حسب الحالة (ازمة داخلية،ام لها ابعاد سياسية واجتماعية). وهناك ثلاثة سناريوهات ممكنة ،الاعتراف بالمسؤولية كاملة وتحمل تبعاتها قانونيا واعلاميا ،او التعبيرعن عدم فهم ما يجري اذا لم تتبين خيوط الازمة كاملة ، اوتوسيع المسؤولية لجهات أخرى او فاعلين آخرين،

استراتيجية”تغيير زاوية النظر”:

يسمي “تياري ليبارت” هذه الاستراتيجية بالمشروع الجانبي “Projet latéral” وترمي  الى تغيير وجهة الخطاب لجهة جانبية وهناك عدة فنيات ممكنه ، كالقيام بهجوم معاكس والاشارة لمن له مصلحة في الازمة، منافس مثلا، تحويل المسؤولية الى خارج المؤسسة. والتقليل من الاعلام حول الموضوع والحديث في مواضيع جانبية مع التأكيد على انه تم تفادي الأسوأ.هذه الاستراتيجية مستعملة اليوم في الحديث حول أزمات شركاتنا التي يتهددها الإفلاس بانواعها.

-استراتجية الرفض  .Le  Refus

تتمثل هذه الاستراتيجية في رفض الاعتراف بان هناك ازمة أصلا وهناك أربعة سناريوهات ، التكتم منذ بداية الازمة ،سناريو اختاره الروس اثناء كارثة ” تشرنوبيل”

 ،كما اختاره النظام السابق اثناء احداث الحوض المنجمي ، الكف عن الحديث حول الموضوع لفترة لعدم تغذية الازمة ، التخفيف من اثار الازمة على ان تكون المؤسسة هي الوحيدة التي تملك المعلومات ، ويمكن لهذه الاستراتجية ان تكون لها نتائج وخيمة إعلاميا وحتي قضائيا.

الجمهور المستهدف؛

يكون الجمهور المستهدف أولا الاعلام بكل انواعه ووسائله لانه سيكون قاطرة المعلومة وناشرها على أوسع نطاق ،لذلك يجب اعداد قائمة بكل المستهدفين الجمهور ومجموعات الضغط ومجموعات المصالح والاعلام المتخصص والشركاء الاستراتيجيين والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية. اذ يمكن ذلك من تبليغ المعلومة عند الحاجة بشكل سريع و فعال ،ولا يجب اغفال المستهدفين من داخل المؤسسة كالمسؤولين والاطارات والعمال.تاكيدا على العناية بمشاغلهم واهمها رفع المعنويات زمن الازمة؛ لذلك يجب ضبط قائمة بكل العناصر المستهدفة بالعملية الاتصالية وضبط حاجاتهم الممكنة من تلك العملية وضبط قائمة بالاشخاص والهياكل والشبكات  الواجب الاتصال بهم  للحفاظ على المبادرة والتخفيف من ردود الأفعال . مع اعلام الجهات الداخلية.4

 الناطق الرسمي؛

يمثل الناطق الرسمي اهم عناصر خلية الاتصال حيث يعتبر وجه المؤسسة وصوتها بالنسبة للاعلام وللجمهورالواسع وتكون مهمته أساسا، تامين كل الاتصالات الشفوية مع وسائل الاعلام ومع الجمهور ، اعلام قادة فريق إدارة الازمة بما فيهم السلطة، فالشخص الذي يكلف بهذه المهمة ترتكز عليه نجاحات او اخفاق المهمة ومن ورائها نجاح او اخفاق المؤسسة، ويقتضي الامر في بعض الحالات تعيين اكثر من ناطق رسمي ؛ فعلى الناطق الرسمي ان يعطي دائما الثقة والامل وان يظل متماسكا في كل الحالات وان يكون دقيقا وواضحا وهادئا وان يجيب على كل الأسئلة حتى البسيط والسخيف منها دون انفعال  وخاصة يجب ان يعطي الانطباع بانة صادق وواثق.وينصح في أوقات الازمات ان لا يدلي أي مسؤول باي معلومة باستثناء الناطق الرسمي تفاديا لتضارب المعلومات .

العلاقات مع وسائل الاعلام،

ان علاقة الناطق الرسمي مع وسائل الاعلام هامة جدا لانها تؤثر مباشرة على المعلومات وعلى الرائ العام بالضرورة ويجب ان تكون العلاقة متميزة ،فيتم ضبط شبكة للعلاقات والأشخاص والمؤسسات التي يتم التعامل معها كما يجب التفكير فيما يريده وما يرغب فيه الاعلام ،ويجب معرفة ان الإعلامي مكون لكي يسأل(من ،ماذا،كيف،لماذا؟)لذلك وجب التهيؤ لكل الأسئلة ولكل الاحتمالات، وللتعاون مع الاعلام بشكل جيد على الناطق الرسمي ان يكون دائم الجاهزية و المبادرة.ولا يفيد باي معلومة سرية. ولاداء المهمة على احسن وجة هناك عدة تقنيات اثبتت نجاعتها ،كالندوة الصحفية ؛والبلاغ؛واللقاء الصحفي؛وملف الوثائق الإعلامية؛

ختاما ان اتصال الازمة عمل هام وخطير ويتطلب المعرفة والمهارة، واليوم اصبح لزاما على كل المسؤولين في كل القطاعات وفي دواليب الدولة الوعي بأهميته وذلك تبعا لما حدث ويحدث من كوارث ومآسي وازمات في قطاعات مختلفة ، في الإدارات والمؤسسات العمومية والخاصة على حد السواء . فالازمة يمكن ان تحدث لاي هيكل مهما كانت درجة تنظيمه واتقانه وآدائه لعمله في أي وقت. ولان الكفاءة والنجاح يغذيان الثقة بالنفس وتلك بذاتها تغذي التغافل عن مؤشرات وأسباب الازمات التي تظل تتراكم دون وعي المسؤولين الى حد انفجارالازمة؛ لا بد ان يكون لدي المؤسسة  فريق مدرب على إدارة الازمات وقد بينت العديد من التجارب ان اهم آليات إدارة الازمة خلية اتصال مدربة على فنيات الاتصال السريع والفاعل والواثق والصادق،والذي يتدخل في الوقت المناسب للإنذار والطمأنية و يساعد على تخفيف تأثيرالازمة ومعالجتها.

المراجع :

  1. اتصال الازمة في المؤسسة الجزائرية،دراسة حالات لوحدات من المؤسسة الصناعية والخدمة -هامل مهدية
  2. Thierry Libaert -la communication de crise -Dunod 2001
  3. Reconnaissance de crise-  Didier heydrich-etudier.com
  4. La planification des communications ,guide pour les gestionnaires de la fonction  publique du- Canada