تحتلّ تونس المرتبة الحادية والخمسين عالميّا من جملة 113 دولة في مؤشر الأمن الغذائي العالمي، سنة 2018. و في الوقت الذي يعبّر فيه المجتمع المدني عن قلقه حيال الوضع الحالي للأمن الغذائي للبلاد وتواتر احتجاجات الفلاحين ما زالت الدولة تقف مكتوفة الأيدي أمام الرياح التي قد تعصف بقوت التونسيين.
مع العلم، أن أزمة جائحة كورونا تسببت في تعطل نسبي لعمليات التوريد من الخارج على خلفية غلق المعابر الحدودية والموانئ التجارية طيلة أشهر الحجر الصحي مما يدعو إلى التفكير جديا في مسألة الإكتفاء الذاتي من المواد الغذائية.

أزمة قطاع الألبان

تعيش تونس في فترات مختلفة من كل سنة خلال الأعوام الأخيرة الماضية، نقصا في التزوّد بالحليب ومشتقاته، فقبل سنتين عاش التونسيون أسابيع في مواجهة البيع المشروط والمقسّط لعلب الحليب فيما قدمت وزارة التجارة حينها حلولا ترقيعية من خلال توريد منتوج بلجيكي كما اعتبرت أن “الأزمة ظرفية واستثنائيّة”.

في المقابل، اعتبر رئيس نقابة الفلاحين التونسيين، كريم داود في تصريح لـ”JDD”، أنّ أزمة الحليب كغيرها من مشاكل القطاع الفلاحي ليست ظرفية أو مرتبطة بعوامل مناخية بل نتاج للطريقة التي يتم بها استغلال الأراضي الزراعية منذ عقود.

وقال داود إنّ قطاع الألبان رهين التبعيّة الغذائيّة ، حيث يستورد الفلاحون الأبقار عالية الإنتاج إضافة إلى غذائها لأنّ تونس لا تنتج هذه الفصيلة من الحيوانات كما لا يستطيع صغار الفلاحين مواجهة تكلفة الأعلاف العالية التي تفرضها السوق العالمية.
وأضاف أنّ كلفة الإنتاج العالية التي يتحملها الفلاحة تقدّرها الدولة بأسعار بخسة مما يجعل أغلبهم يبيعون قطعان الأبقار أو يخففون من كمية الأعلاف وبالتالي يؤدي ذلك إلى فقدان الحليب من الأسواق.
وأكّد أن هذا الإشكال ليس إلا جزءا ضئيلا من الخيارات التي تهدد الأمن العذائي التونسي والأمن الشامل بصفة عامة.

التوريد العشوائي للخضر

طالب الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري بإيقاف توريد الخضر والتحقيق في دخول 1600 طن من الخضر من مصر موضحا أنّ وزارة التجارة أخلّت باتفاقات سابقة مع المنظمة الفلاحية تقضي بتوقف عمليات توريد الخضر وسمحت بتوريد الخضر من مصر التي شددت عديد الدول القيود على منتوجاتها بفعل المياه المستخدمة عند الري.

ويعتبر الاتحاد أن وزارة التجارة أضرت من خلال دخول المنتوجات الفلاحية المصرية بالقدرة الإنتاجية للفلاح التونسي في ظل توفر الخضر خلال هذه الفترة وساعدت على دخول منتوجات مسمومة كما أضرت بالمنتوج الوطني المتوفر رغم الظروف الاقتصادية الصعبة.

في المقابل قالت وزارة التجارة في بلاغ لها إنها لم تبادر بتكليف مؤسّساتها تحت الإشراف بتوريد أيّ من المنتوجات الفلاحيّة كما لم تُسند أي امتياز جبائي للخواص لتوريد منتجات فلاحيّة رغم كثرة الطلبات التي وردت عليها على إثر تسجيل نقص في الإنتاج وارتفاع في الأسعار نهاية سنة 2020 وبداية سنة 2021 لعدد من المنتوجات الفلاحيّة (بصل جافّ، فلفل، طماطم…) بسبب عوامل مناخية وجوائح طبيعية أصابت مشاتل إنتاج الباكورات’.

وشددت على أنها التزمت ”تلقائيّا بأن لا يتمّ اللّجوء إلى تكليف مؤسّساتها تحت الإشراف بتوريد منتجات فلاحيّة وبأن لا يتمّ منح امتيازات جبائيّة للخواص إلاّ في الحالات القصوى وبالتّنسيق التامّ مع مصالح وزارة الفلاحة والموارد المائيّة والصّيد البحري إضافة إلى الاتّحاد التّونسي للفلاحة والصّيد البحري فيما يتعلّق بالتّواريخ والكميّات”.

وأضافت ”فيما عدى المواد الفلاحيّة المنصوص عليها بصفة حصريّة بقائمة الواد محظورة الدّخول للبلاد التّونسيّة بمقتضى قرار من الوزير المكلّف بالفلاحة فإنّ سائر المنتوجات الفلاحيّة حرّة على مستوى التّوريد كما التّصدير”.

وفي هذا الصدد، أكّد عضو المكتب التنفيذي بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري إبراهيم الطرابلسي لـ”JDD”، إنّ حرية توريد المنتوجات الفلاحية فتح أبواب الفساد على مصرعيه أمام لوبيات التوريد التي تسعى لتدمير الإنتاج الوطني لتحقيق المرابيح لفائدة شركاتها الخاصة بتوريد كميات عشوائية تغرق بها الأسواق إزاء صمت الهياكل الرسمية.

معضلة الحبوب

كشفت دراسة للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية سنة 2018 أن عدّة مخاطر تهدد ضمان الأمن الغذائي على غرار ضعف مساهمة القطاع الفلاحي في الناتج القومي الخام الذي تراجع من 19.6 في المائة سنة 1964 إلى 8 في المائة سنة 2016، إلى جانب تقلص مساحة الأراضي الصالحة للزراعة بسبب التصحر وعوامل التعرية والانجراف والجفاف وارتفاع ملوحة الأرض بسبب نقص الأمطار التي طالت مناطق واسعة في الوسط والجنوب والتي تهدد 78 في المائة من مساحة البلاد.

وأثيرت خلال السنوات الأخيرة مسألة سرقة البذور والجينات التي تسبب في انقراض بعض أصناف النباتات  فحوالي 1100 نوع تونسي تم تصديرها إلى الخارج دون إذن السلطات المعنية.
كما صُدّرت أكثر من 1650 من أنواع الحبوب والأعلاف التونسية الخالصة إلى بنوك جينات خارجية، واختفت نهائيًا أنواع أخرى ولم تعد تُزرع بتاتًا في تونس منذ أكثر من قرن، حسب البنك الوطني للجينات.


ورغم تمكن البنك من استرجاع 1705 عينة من الأعلاف التونسية الأصل من بنك جينات أستراليا، في نوفمبر الماضي ما زالت أصناف عديدة من الموارد الجينية الوراثية من حبوب وبقول وأعلاف وأشجار مثمرة ونباتات زينة وتوابل والنباتات الرعوية والغابية والنباتات العطرية والطبية والموارد الوراثية الحيوانية والبحرية والكائنات الحيّة المجهريّة، مهددة بفعل تقدم التكنولوجيا الحيوية والتغيرات المناخية والتصحر الجيني.

يقول بنك الجينات إنّ حوالي 11271 عينة موجودة في الخارج، وهناك عدة فرضيات لكيفية إخراجها من تونس، إذ توجد جينات نهبت خلال فترة الاستعمار الفرنسي، وهناك عينات أخذها طلبة الماجستير والدكتوراه للخارج لإنجاز بحوثهم فتبقى هناك ولا يتم إعادتها إلى تونس.

في المقابل، يحقق القضاء في إتلاف 18 ألف قنطار من البذور التونسية الممتازة التي تعود إلى 4 سنوات بسبب تخزينها في ظروف سيئة من قبل شركة التعاونية المركزية للقمح بجهة العُقلة من معتمدية قبلاط التابعة لولاية جندوبة.
وحجّرت السلطات القضائية السفر على 7 مسؤولين بينهم وزير سابق للفلاحة بتهم فساد مالي.