ليست المحكمة الدستورية، الهيئة الوحيدة التي لم ينجح مجلس نواب الشعب في إرسائها رغم مرور 7 سنوات على المصادقة على دستور 2014، فهيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة التي نصّ عليها الدستور في فصله الـ 129 بدورها معطّلة.
وكان مشروع قانون تنظيم هذه الهيئة أودع لدى مجلس نواب الشعب منذ شهر أكتوبر 2018، للمصادقة عليه ومن ثم إرساء هذه الهيئة قبل انتهاء المدة النيابية الأخيرة أي قبل انتخابات 2019.
وصدر بالرائد الرّسمي للجمهوريّة التونسيّة عدد 59 بتاريخ 23 جويلية 2019، القانون الأساسي عدد 60 لسنة 2019 المؤرخ في 9 جويلية 2019، والمتعلق بهيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة، التي لم تر النور إلى اليوم.
يشار إلى أنّ هذه الهيئة تُستشار وجوبًا في مشاريع القوانين المتعلقة بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وخاصة المناخية، حسب نص مشروع القانون.

ما هي مهام الهيئة؟

تتمثل مهام هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة حسب قانونها الأساسي، في العمل على دعم الديمقراطية التشاركية في جميع المسائل المتعلقة بمجال اختصاصها ولهذا الغرض، تضع الهيئة مجموعة من الآليات الضرورية يضبطها نظامها الداخلي، توفر من خلالها إطارا للتشاور والحوار مع الجمعيات والأحزاب والمنظمات المهنية وممثلي الجماعات المحلية.

كما مكّن القانون ذاته الهيئة من تنظيم استشارات وطنية وحلقات نقاش عامة أو قطاعية حول المواضيع الراجعة لها بالنظر، وخاصة بمناسبة إعداد السياسات العمومية ومشاريع مخططات التنمية واستراتيجيات وبرامج التنمية المستدامة.

كما تعمل الهيئة على ضمان أهداف التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة على المستويين الوطني والمحلي وذلك من خلال ضمان احترام التوازن بين المقتضيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمقتضيات البيئية، لإرساء العدالة والتضامن بين الأجيال وحقهم في بيئة سليمة تضمن استمرارية الحياة ونوعيتها وحقهم في حماية موروثهم الثقافي وهويتهم الوطنية وفي مناخ اقتصادي واجتماعي مستقر وعادل، كما تحرص الهيئة على حماية الطبيعة وتوازناتها قصد المساهمة في بلورة وتحيين وتقييم مكونات وشروط إرساء سياسة متكاملة للتنمية المستدامة.

ومن بين مهامها، نشر وترسيخ وتعميم ثقافة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة بين مختلف الشرائح الاجتماعية والعمرية وذلك من خلال مقاربات تحسيسية وتوعوية تأخذ بعين الاعتبار مختلف التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على المستوى الإقليمي والدولي في إطار احترام مبدأ السيادة الوطنية.

صلاحيات الهيئة

ونص القانون على صلاحيات الهيئة التي تتعلق بالاستشارة في مشاريع القوانين المتعلقة بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وخاصة المناخية ومشاريع مخططات التنمية ومشروع الوثيقة التوجيهية للمخطط والميزان الاقتصادي وتقارير متابعة المخطط التنموي ووثائق التهيئة العمرانية كما هو منصوص عليه بالتشريع الجاري به العمل.

كما تبدي الهيئة رأيها بالنسبة لمشاريع القوانين في أجل أقصاه شهر من تاريخ تسلمها لطلب الاستشارة، أما بالنسبة لبقية الوثائق والمخططات والتقارير فتبدي رأيها في أجل أقصاه ثلاثة أشهر من تاريخ تسلمها لطلب الاستشارة ويمكن التمديد لمرة واحدة في هذه الآجال ويكون التمديد معللا.

كما يمكن للهيئة أن تبدي رأيها تلقائيًا في المسائل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وفي كل الوثائق التوجيهية أو الاستراتيجية، مع إعلام الجهة المعنية.

ويمنح الفصل 10 من مشروع القانون للهيئة إمكانية تلقي عرائض من المواطنين في المسائل المندرجة في مجال اختصاصها تتضمن على الأقل 5 آلاف إمضاء، وتنظر الهيئة في هذه العريضة وتبدي الرأي في إمكانية تبنيها وإحالتها على الجهة المعنية.

وإجمالًا، يجب على هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة نشر كل الأراء التي تبديها بموقعها الإلكتروني في أجل لا يتجاوز 15 يومًا من تاريخ الإحالة إلى الجهة المعنية، كما تُنشر الأراء حول مشاريع القوانين ومخططات التنمية في الرائد الرسمي.

وتقوم الهيئة بإعداد تقرير سنوي توجهه إلى الرئاسات الثلاث، إضافة للتقارير الدورية حول التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة.

طريق طويلة قبل المصادقة

بدأ إعداد مشروع قانون التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة عبر مشروع أولي في جوان 2016، تمت استشارة الوزارات بشأنه في شهر أوت الموالي، ثم قامت وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان بالتعاون مع لجنة الخبراء بتطوير مشروع القانون، لتراسل عديد مكونات المجتمع المدني لعقد جلسات معها أو تلقي ملاحظاتها كتابة.

ثم تم تنظيم استشارة ثانية في نوفمبر 2017 تم خلالها تلقي ملاحظات أغلب الوزارات والاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية.

ليقع بالنهاية صياغة مشروع القانون في نسخته النهائية قبل المصادقة عليه في مجلس وزراي ثم إحالته على البرلمان في أكتوبر 2018، وما زال مشروع القانون يراوح مكانه في رفوف المجلس التشريعي ولم يتم إدراجه في جدول أعماله لاستكمال إجراءات إرساء الهيئة.

جدير بالذكر أنّ تونس تصدرت ترتيب القارة الإفريقية عام 2020 من حيث تحقيق أهداف التنمية المستدامة بمجموع 67 فاصل واحد نقطة، من أصل 100، مما يعني أن البلاد حققت 67.1% من أهداف التنمية المستدامة.