تحوّلت فرقة “بي تي أس” الغنائية الكورية من نمط موسيقي منتشر في كوريا وشرق آسيا إلى ظاهرة عالمية شملت جميع أنحاء العالم، ولم يقتصر الأمر على الترويج للنوع الموسيقي الذي تعتمده هذه الفرقة بل تجاوز ذلك ليشمل ظاهرة مجتمعية تعكس الثقافة الكورية، فكانت أغاني هذه الفرقة تكريسا لنمط العيش في كوريا الجنوبيةوطريقة اللباس والرقص والألوان، وهو ما ساهم في انتشار ثقافة “بي تي أس” في العالم عموما وفي تونس خصوصا.
وشهدت هذه الظاهرة انتشارا واسعا في المجتمع التونسي وخاصّة في صفوف اليافعين، وهو ما جعلنا نتساءل حول أسباب هذا الانتشار الواسع للفرقة بالرغم من الحاجز الثقافي المتمثل في اللغة والحاجز الجغرافي المتمثل في البعد، بين تونس وكوريا الجنوبية، ومدى تأثير هذه الظاهرة في نفسية المراهقين واليافعين.
مضمون الأغاني سرّ النجاح
و”بي تي أس” هي فرقة غنائية تحولت من الهيب هوب لتشمل مختلف الأنماط الموسيقية، تضم 7 فتيان من كوريا الجنوبية، تأسست في العاصمة سول سنة 2010، يشارك أعضاؤها السبعة في كتابة وإنتاج أعمالهم، فيما تركز كلمات أغاني الفرقة على التعليقات الشخصية والاجتماعية.
وتشير الدراسات العالمية التي تطرقت لظاهرة انتشار “بي تي أس” في العالم، إلى أن الأفكار والمضامين التي تتطرق لها الفرقة الشبابية، في أغانيها هي التي جعلتها متنفسا للمراهقين.
ومن بين مضامين أغاني هذه الفرقة الشهيرة، الصحّة النفسية ومشاكل الشباب في سن الدراسة، والفقدان، رحلة حب الذات، والبحث عن الفردية، وذلك من خلال اعتماد مراجع للأدب والمفاهيم النفسية وقصص عن العالم البديل، وهو سبب تتويجها بجائزة “اليونيسف” في 2018، عن حملة “أحب نفسي”، التي تهدف إلى القضاء على العنف ضد الأطفال والشباب في جميع أنحاء العالم.
وسيط يكتسح نفسية اليافعين
ووفق ما أكده ابراهيم الرياحي الخبير في مجال الطفولة، في تصريح لـ”JDD”، فإنه وأمام النجاح الذي حققته فرقة “بي تي أس”، الكورية وقدرتها على استقطاب الملايين من الشباب في كافة أصقاع العالم ومنها الشعوب العربية، فإن ذلك ناتج عن الخطاب والمضمون الموجه لهؤلاء الشباب أو اليافعين، فهذه الفرقة نجحت اتصاليا في النفوذ إلى وجدان محبيها في تونس والعالم الذين حفظوا هذه الأغاني عن ظهر قلب دون اعتبار عائق اللغة.
وبيّن محدّثنا أن المضمون الفني، لهذه الفرقة، خاطب الشباب في تطلعاتهم وبما يدور في عقولهم من قضايا فشلت المؤسسات التقليدية كالأسرة أو المدرسة في مناقشتها، فكان الفنّ خير وسيط لهم ليعبّروا عن مشاعرهم وأفكارهم.
فأغاني هذه الفرقة ومحتواها يحثّ دائما على تشجيع الشباب ودفع النفس وتقبل الذات فالحاجة النفسية لإثبات الذات هي ضرورة يبحث عنها كل مراهق أو شاب، كل بطريقته، إما بصفة إيجابية أو سلبيّة، لتأخذ شكلا من أشكال التعبير وأمام الظروف الحالية للشعوب العربية وحتى العالمية على مستوى السياسي من الثورات والحروب إضافة إلى المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والإفرازات التي تنتجها من ظواهر سلوكية جعلت من هؤلاء الشباب يبحثون عن متنفس للتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم فكان الخطاب الفني لهذه الفرقة وسيلة للتعبير عن قضاياهم الحقيقية بصورة فنية مثالية في الجودة.
كسر الروتين وتجسيد للاستقلاليّة
وكان تماهيا واضحا من هؤلاء المراهقين أو الشبان لهذا المضمون الفني الذي تقدمه هذه الفرقة، فالموسيقى وسيط يكتسح نفسية الشبان بسهولة ويمنحهم القدرة على إعطاء القوة والدافع خاصّة وأن المضمون مثلما قدمه أعضاء “بي تي أس”، يحترم الخصوصية النفسية للمراهق في تطلعاته إلى غد أفضل وحقه في المشاركة والتعبير عن قضاياه وكسر المألوف والروتين وكل أشكال القيود وتجسيد الاستقلالية والحرية، وفق محدّثنا.
وبين الخبير في الطفولة، أن الأهم اليوم هو أن لا نخاف من هذا التماهي إذا لم ننجح في التحاور مع أطفالنا حول مضامين هذه الأغاني، بل بالعكس تماما فهذه الأغاني خير وسيط لتوجيه أطفالنا للنجاح ومفهومه من خلال أفكار فرقة “بي تي أس”، لنفسح المجال أمامهم للتميز والتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم مع التطرق إلى القيم التي تحملها مضامين هذه الأغاني.
“بي تي أس” تجسيد لفارس أحلام المراهقات
وأكدت إحدى معجبات فرقة ”بي تي اس” في تونس، رحمة.م، البالغة من العمر 15 عاما، في تصريح لـ”JDD”، أن الصورة التي تروّجها الفرقة، من خلال أعضائها، عن الشاب الكوري الاستثنائي، الذي يختلف عن الشبان في تونس، فإضافة إلى كون أعضاء المجموعة، راقصين ومغنين رائعين، فهم يتمتعون أيضا بجاذبية على الدوام، من خلال تميزهم ببشرة مثالية وأجسام متكاملة وشعر مثير بأسلوب عصري، وهو ما يثير إعجاب الفتيات وفق تقديرها.
وبينت أن اعتماد أعضاء “بي تي اس”، على صورة الشاب الجذاب والكامل والعاطفي جعلت المراهقات واليافعات في تونس ينسقن بشكل كبير وراء هذه الفرقة، حتى أن هن يعتبرن الشاب الكوري تجسيدا لفارس أحلامهن المنشود.
وبينت محدثتنا أن أحباء “بي تي أس”، في تونس لطالما يتعرّضون إلى التنمر من قبل منتقدي الفرقة، الذين يعتبرون أن الصورة التي تروجها الفرقة لا تتماشى مع ثقافتنا في تونس وهي محاولة لإفساد المراهقين وحثهم على التشبه بالغرب.