قبل سنوات كان الحديث عن التشرد في تونس كظاهرة، يعتبر تهويلا، باعتبار أنّ عدد الأشخاص بلا مأوى كان لا يتعدى بعض العشرات على كامل تراب الجمهورية، لكن هذا العدد تضاعف مئات المرات خلال العشرية الأخيرة بسبب الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.
وفي هذا الإطار كشف رئيس جمعية “ناس الليل” معز بوخريص لـ”JDD”، اليوم الأحد 14 فيفري 2021، أنّ عدد المتشردين ليس ثابتا فبين الفترة والأخرى يتم إيواء بعضهم في مراكز تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، مؤقتا، أو يتم التكفل بهم من قبل منظمات المجتمع المدني وفي المقابل يستقبل الشارع أشخاصا جددا.
وأوضح أنّ معدل التونسيين الذين يقيمون بالشوارع يتراوح بين 2000 و3000 شخص أغلبهم بتونس الكبرى التي تضم بين 1700 و1800 مشرّد.
جدير بالذكر، أنّ وزارة الشؤون الاجتماعية لا تملك قاعدة بيانات لتحديد الأعداد الرسمية كما أنّ المعهد الوطني للإحصاء لم يشر إليهم في أي من تقاريره.
من هم المشرّدون؟
يقول بوخريص إنّ جميعهم حالات اجتماعية خاصة تتطلب السند المادي والنفسي خاصة، مضيفا أنّ شوارع العاصمة تحتضن في بعض الأحيان عائلات مكونة من أب وأم وأبناء قصر.
وأكّد أن أغلبهم يعانون النبذ بعد أن تخلت عنهم عائلاتهم بسبب شيخوختهم أو بسبب إدمانهم على المخدرات أو الكحول وأشار إلى أن ارتفاع أسعار الإيجار والأوضاع المعيشية الصعبة دفعت ببعضهم إلى التخلي عن السكن مقابل الحصول على طعام.
وأضاف محدّثنا أنّه يوجد من بين المشردين أطفال أيتام أو غادروا منازل أوليائهم بسبب وفاة أحدهما، مشيرا إلى أنّ أعدادهم صغيرة مقارنة ببقية الشرائح العمرية.
أي دور للدولة؟
تسعى وزارة الشؤون الاجتماعية إلى مساعدة التونسيين بلا مأوى من خلال مراكز الإحاطة والتوجيه الاجتماعي، كما أطلقت أواخر سنة 2015 آلية إغاثة اجتماعية للمشردين والعائلات دون دخل، وتقوم الآلية على تعبئة فريق للإغاثة الاجتماعية تجوب الشوارع خارج الأوقات الإدارية من الساعة السادسة مساء إلى الخامسة صباحا في إقليم تونس الكبرى، من أجل تقديم المساعدة لمن ليس لهم مأوى.
ويتكون الفريق من أخصائي في علم الاجتماع وأخصائي في علم النفس ومساعد ممرض ومنقذ، ويعمل هذا الفريق على تقديم المساعدة في حدود إمكانياته، من خلال التزويد بالملابس والأغذية والإسعافات الأولية وغيرها من الاحتياجات الأساسية، والسعي إلى إيجاد حلول للإقامة المؤقتة بمركز الإحاطة والتوجيه الاجتماعي بالزهروني.
وقال بوخريص إن الاتحاد الأوروبي قدّم مساعدة لفريق الإغاثة بحوالي 100 ألف أورو من أجل إيواء جزء من المشردين لكن جميع النفقات ذهبت للتزويد بالأكل والأغطية خاصة في فصل الشتاء.
“المجتمع المدني يعوّض مؤسسات الدولة”
أكّد معز بوخريص أنه مع تزايد أعداد التونسيين بلا مأوى، برز المجتمع المدني كفاعل رئيسي في ظل تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي، وفق تعبيره.
وأضاف أن البيروقراطية وقلة الموارد جعلت وزارة الشؤون الاجتماعية تتكفل وقتيا ببعض الحالات دون سواهم ومنهم من هرب وفضّل الشارع على مراكز الدولة بسبب “سوء المعاملة”، حسب قوله.
وأضاف أن بعضهم في حاجة إلى عمل حتى يستطيع إعالة أسرته لذلك قدمت لهم منظمات مدنية مشاريع صغيرة كمحلات لبيع المواد الغذائية أو الخضر مشيرا إلى أنّ هذه المشاريع لا تُقدّم إلا لمن لديهم رغبة في العمل فبعضهم يعاني الإدمان على شرب الكحول واستهلاك المخدرات ولم يعد يقوى على العمل.