في ظل ما تعيشه بلادنا من وضع متأزم على جميع الأصعدة، زادت عليه الأزمة السياسية والصراع بين رأسي السلطة التنفيذية حول ما عرف بأزمة اليمين والتحوير الوزاري الذي لم ير النور، أصبح مصير البلاد يسير نحو المجهول على المستوى الاقتصادي، بعد أن تهاوت التوازنات المالية وتراجعت المؤشرات الاقتصاديّة بصفة غير مسبوقة كما تراجعت نسبة النمو إلى ما تحت الصفر، في حين تفاقمت مديونية الدولة التونسية لتبلغ أعلى نسبها على الإطلاق، حيث قدرت بـ 92.8 بالمائة، وهو ما ينذر بكارثة إعادة السيناريو اليوناني وإعلان إفلاس الدولة.

كافة المؤشرات سلبية

وتترقب تونس إعلان وكالة التصنيف الائتماني الدولية “موديز”، الترقيم السيادي للبلاد وبالتالي فإن هذا التصنيف سيكون حاسما في تقرير مصير دولة تعيش أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية خانقة، خاصة في ظل غياب الآليات الضرورية لخلق الثروة ودفع الاستثمار الذي سيساهم بدوره في تخفيف وطأة الأزمة.

وفي آخر تصنيف لوكالة “موديز”، في أكتوبر 2020، وقع تصنيف تونس عند “B2” مع تغيير الآفاق إلى سلبية، بناء على قدرة تونس على المحافظة على احتياطي العملة الصعبة بما يتيح لها سداد أقساط القروض المستحقة التي سيحل أجلها سنة 2021، كما أن الآفاق السلبية تعكس أيضا التحديات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية، التي تواجهها الحكومة في تنفيذ الإصلاحات الضرورية للحصول على دعم رسمي والمحافظة على وسائل تمويل موثوق بها، وفق تقرير صادر عن الوكالة.

وأمام المناخ السياسي المتأزم فإن التصنيف الذي ستعلنه ”موديز”، سيكون بالضرورة سلبيا حيث تشير مختلف العوامل إلى أن الوكالة العالمية ستخفض تصنيف تونس الائتماني إلى سلبي، خاصّة وأن هذا الترقيم يأخذ بعين الاعتبار الوضع السياسي للبلاد بنسبة 50 بالمائة، وهو ما أكده الخبير الاقتصادي رضا شكندلي، الذي اعتبر في تصريح لـ”JDD”، أن كافة المؤشرات اليوم سلبية وأن الأزمة الساسية ستتسبب في نتائج كارثية.

يعكس صورة تونس أمام المانحين الدوليين

وبين المتحدث أن الترقيم السيادي لموديز سيكون حاسما بالنسبة لبلادنا من حيث رد فعل صندوق النقد الدولي، الذي قد يخلّ بتعهداته تجاه تونس في صورة تخفيض تصنيفها الائتماني، خاصة وأن تونس تعتمد على 16 مليار دينار كتمويلات بالعملة الصعبة لتعبئة ميزانيتها، أو قد يقوم بإملاء شروط تعجيزية مقابل تمويل الدولة، من خلال إجبارها على التفويت في المؤسسات العمومية وخفض الأجور من الناتج المحلي الإجمالي بـ 3 أو 4 نقاط، وهو ما حدث مع اليونان التي كانت تعاني من نسبة مديونية 100 بالمائة، مشيرا إلى نسبة مديونية تونس حاليا تبلغ 92.8 بالمائة وهو ما يؤكد أن الوضع خطير جدا.

وبيّن الخبير الاقتصادي أن تراجع صندوق النقد الدولي عن توفير التمويلات الضرورية لتونس، سيهز مصداقية صورة البلاد في الخارج لدى المانحين الدوليين، وبالتالي فإنها لن تنجح في الخروج إلى السوق المالية الدولية ولن تجد تمويلات بديلة، وفي ظل اقتصاد متوقف تماما نظرا للشلل التام في إنتاج الفسفاط، وتراجع القطاع السياحي جراء كورونا وغياب الاستثمارات فإن الاقتراض من الخارج ضرورة لا مفر منها.

سياسيون منشغلون بالصراع

وأشار محدثنا أن الجميع اليوم واعون بخطورة الوضع الاقتصادي في البلاد، إلا السياسيين الذين ينشغلون اليوم بالصّراع من أجل إسقاط الحكومة ورئيس البرلمان، في الوقت الذي يتطلب فيه الوضع تضافر الجهود من أجل الخروج بالبلاد من الأزمة الخانقة.

وتشهد تونس تصادما بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بخصوص ما عرف بأزمة اليمين الدستورية والتحوير الوزاري، بعد تواصل رفض رئيس الدولة استقبال الوزراء لآداء اليمين، فيما تواصل الحكومة العمل بعدد محدود من الوزراء، إثر إقالة 5 أعضاء من قبل رئيس الحكومة الأسبوع الجاري، ومن جهة أخرى يطالب نواب بالبرلمان بسحب الثقة من رئيس البرلمان، مما تسبب في ضبابية في المشهد السياسي ستنعكس سلبا على صورة تونس في الخارج كما ستؤثر على نظرة شركائها المانحين.

وشدد محدثنا على أن الوضع الاقتصادي في تونس يتطلّب اليوم حوارا جديا للخروج من الأزمة الخانقة وذلك بأبسط الحلول الممكنة على غرار التقشف ومجابهة التهرب الضريبي والقضاء على الاقتصاد الموازي، الذي سيمكن الدولة من تمويلات مهمة من شأنها أن تساهم في حل هذه المعضلة.