“عدد التونسيين الذين يحملون وشوما على أجسادهم أكبر بكثير مما نعتقد” بهذه الكلمات تحدّث الواشم أمين العبيدي لـ”JDD” عن موروث ذو أبعاد ودلالات ثقافية وإنسانية تحول خلال السنوات الأخيرة إلى أحد تمظهرات الحريّة والحداثة.
ارتبط الوشم انثروبولوجيا بالبيئة الإجتماعية والتاريخية حيث يرسم الرجال والنساء على حد سواء أشكالا ورموزا يُعتقد أنها حماية من الحسد ومن الظواهر الطبيعية إضافة إلى ما يحمله من بعد جمالي.
“جسدي ملكي”
كشف الواشم أمين العبيدي أنّ الفكرة الأساسية التي يقوم عليها الوشم حديثا تتعلق بإثبات ملكية الجسد وحرية التصرّف مشيرا إلى أنه يقوم على عدّة مبادئ لعل أهمها تخليد الأفكار والأشخاص فبامتزاج الحبر والدم ترتسم على الجلد أشكال وألوان راسخة تبقى مع حاملها مدى الحياة مما يولّد حالة من الالتزام.
وقال العبيدي إنّ دلالات الرسوم تقريبا لم تتغيّر منذ عصور تعبيرا عن الحب والأونوثة والحرية والقوة والفخر لكن الزمن أثّر على نوعيّة وطريقة الرسم بمعنى كيفية التعبير باستعمال خطوط وأشكال عصرية وحديثة.
يؤكد محدثنا أن تحمل آلام الإبر يعبر عن فلسفة الحياة فجسم الإنسان صفحة بيضاء وبرسم الوشم يكون نقش تفاصيل حياته وفصولها والمعارك التي خاضها حتى أصبح على ما هو عليه في لحظة اتخاذ قرار وضع صورة على جلده لا يمحيها الزمن.
يتابع الواشم “هي لحظة نضج وتمرّد على السائد والمجتمع والتقاليد والدين وكل مكبّلات الحياة يصبح فيها الإنسان حرّا من كل القيود ولا تحركه غير فكرة واحدة: جسدي ملكي”.
رفض مجتمعي
كان الوشم في تونس خلال سنوات خلت حكرا على خرّيجي السجون الذين يرسمون وجوه أمهاتهم أو حبيباتهم اللاتي كن يتكبدن عناء التنقل لزيارتهم في السجون لكن حضوره في الموروث الثقافي أقدم من ذلك بكثير فالنساء في شمال أفريقيا عموما كنّ بتزيّن برسومات متشابهة خاصة على الوجه والعنق واليدين في شكل نجمات على الخدود أو نخلات في الجبين ارتبطت في مخيلة هذه الشعوب بالحكمة والجمال والخصوبة. وتقول روايات كثيرة إنّ الواشمة في القديم كانت تُختار لقدرتها على العلاج من الأمراض والحماية من الحسد والعين الشرّيرة وفكّ السّحر.
هذه “العادة” بدأت في الظهور من جديد خلال السنوات الأخيرة لكن بحذر وتخفّ كبيرين، حيث يقول أمين العبيدي إن التونسيين إجمالا يقبلون بحرية الفرد في الرسم على جسده لكن بعد ظهور أفكار غريبة ومستوردة على المجتمع التونسي أصبح “محرّما أكثر من السابق”، وفق تعبيره.
وأضاف أن عدد التونسيين الذين يحملون وشما أكبر بكثير مما نعتقد باعتبار أن جميعهم يسعون إلى رسمه على أماكن مخفية خشية النبذ المجتمعي.