أمام تواصل تفشي فيروس كورونا في تونس وتتابع مسلسلات الصراعات السياسية وإهمال المشاغل الأساسية للتونسيين من قبل أصحاب القرار، وما انجر عنه من احتقان اجتماعي وأزمة اقتصادية، تعمّق شعور التونسي بالضغوط النفسية بشكل أكبر، مما تسبب له في قلق دائم يصل أحيانا إلى الاضطرابات النفسية.

وحالة الصحّة النفسية للمواطن التونسي ليست بمعزل عن الصحة البدنية، لذلك فإن المضاعفات النفسية للأزمة التي تعمقت جراء كورونا، قد تكون أشد خطورة من الإصابة بالفيروس نفسه، وهو ما يتفق عليه مختصون في الصحة النفسية.

معاناة يومية مع التوتر العصبي

تسبب فيروس كورونا في استفحال الأزمة النفسية لدى التونسيين، من خلال انعكاسات الإجراءات الصارمة التي وقع العمل بها منذ تفشي الفيروس في مارس 2020، على غرار الحجر الصحي الشامل وحظر التجول، وهي إجراءات وقع اعتمادها في مختلف أنحاء العالم، لكنها شكلت منعرجا في الحياة اليومية للتونسيين، وفق ما أكده الطبيب المتخصّص في الأمراض النفسية والعقلية وحيد قوبعة، في تصريح لـ”JDD”، حيث أصبح التونسي متقوقعا على ذاته يمضي معظم أوقاته في المنزل دون ترفيه، وألغى كافة زياراته للأقارب، في ظل تراجع وضعيته المادية وتهاوي مقدرته الشرائية، مما أثر على نفسيته التي أصبحت عرضة للاكتئاب.

ومع تغير نمط الحياة الذي فرضه تفشي فيروس كورونا في تونس، تعاني اليوم فئة كبيرة من التونسيين من التوتر العصبي، جراء الوضع الصحي والاجتماعي والاقتصادي المتردي وتفاقم معضلة البطالة وتراجع المقدرة الشرائية للتونسيين، وفق محدثنا الذي أكد أنه بالرغم من أن التونسي اليوم يعاني من التوتر والاكتئاب، فهو غير قادر ماديا على التوجه للعيادات النفسية للعلاج، وهو ما يفسر تراجع عدد الحالات التي تقصد عيادات الطب النفسي، خلال فترة الكوفيد مقارنة بفترة ما قبل تفشي الفيروس.

الوضعية المادية للتونسي لا تسمح له بالعلاج

ورغم المعاناة اليومية للتونسيين مع الاكتئاب والتوتر، فإن تراجع المداخيل خلال هذه الفترة، تأثّرا بالجائحة التي تسببت في غلق العديد من الشركات وتضرر مختلف القطاعات وإحالة المئات من العمال على البطالة، منع العديد من الفئات من العلاج، حيث يتطلب الذهاب إلى العيادات النفسية في المتوسط مبلغا يقدّر بـ60 دينارا على الأقل، لكن وضعية المواطن اليوم لا تكاد تسمح له بتغطية تكاليف العيش الضرورية اليومية فقط، وهو ما ينذر بتفشي المزيد من الأمراض النفسية في المجتمع التونسي.

الاحتجاجات تعكس نفسية التونسي

ولعلّ الاحتجاجات الأخيرة الثائرة على النظام، التي شهدتها البلاد في شهر جانفي المنقضي، هي خير دليل يعكس الحالة النفسية للتونسي، حيث أكد المختصّ في علم الاجتماع سامي نصر، لـ”JDD”، أن التونسي اليوم يعيش حالة من الإحباط واليأس، جراء تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي وتنامي البطالة مقابل تراجع المقدرة الشرائية، زد على ذلك تفشي فيروس كورونا، الذي دفع المجتمع نحو الأسوأ.

وأصبح التونسي اليوم “قنبلة موقوتة” قابلة للانفجار متى سنحت الفرصة، وهو ما يفسّر ردة الفعل العنيفة للشباب خلال الاحتجاجات المنددة بسياسة الحكومة والرافضة للإجراءات التي وقع إقرارها لمكافحة جائحة كورونا مؤخّرا على غرار إعلان الحجر الصحي الشامل لمدّة 4 أيام تزامنا مع ذكرى الثورة.

ووفق محدّثنا فإن التونسي اليوم أصبح يعيش حالة إحباط دائمة ويحمل شحنة كبت نتيجة عدة عوامل متمثلة أساسا في أزمة الثقة أمام ما تشهده البلاد من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية متتالية، وغياب الإرادة لحلها.