لطالما ارتبطت عوامل الفقر والبؤس بصفة كبيرة بتنامي الجريمة عامة وبتغذية ظاهرة الإرهاب خاصة، وهو ما أكده عدد من المختصين في الجريمة وعلماء الاجتماع، لكن بالنظر لواقعنا الحالي وأمام تورّط أطراف لم تعاني من الخصاصة والفقر في عدة جرائم منها جرائم إرهابية، جعلنا نتساءل عن حقيقة هذه المسلّمات التي تحدث عنها كثيرون، فهل أن الفقر والبؤس حقا يغذّيان الإرهاب؟
وفي هذا الإطار أكد الأستاذ في علم الاجتماع سامي نصر، في تصريح لـ”JDD”، اليوم الأحد 7 فيفري 2021، أن هناك توجها تحليليا خاطئا يركز على اختزال الجريمة في الفقر والبؤس ويهدف إلى تفسير أسبابها بالفقر والخصاصة بينما هي في الواقع إحدى الأسباب وليست السبب الرئيسي.
القضية أكبر بكثير من الفقر والإرهاب
وبين محدثنا أنه لا يمكن اختزال الإرهاب في الفقر والبؤس، حيث لا يمكن تفسير أسباب الجرائم بعناصر مثل الفقر والغنى أو الجهل أو المستوى التعليمي أو المناطق المهمشة والراقية، مشيرا إلى أن الأغنياء أيضا يمكن أن يكونوا مجرمين، وأن الإجرام ليس حكرا فقط على الفئة الفقيرة وبالتالي فإن طبيعة الجريمة موجودة في كل الجهات والفئات.
وتابع الأستاذ في علم الاجتماع، أن القضية أكبر بكثير من الإرهاب والفقر، لأن الإرهاب جزء من الآفة وليس كلها، خاصة وأن التنظيمات الإرهابية نجحت في استقطاب شرائح اجتماعية مختلفة ومتنوعة، وهو ما يطرح تساؤلات حول نقطة القوة التي تجعلها تنجح في عملية الاستقطاب وهي أساسا التعويل على الجانب الاتصالي، في المقابل نجد أن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب في تونس، اعتمدت فقط على الجانب الأمني ولم تركز على الجانب الاتصالي والإعلامي الذي يخول لها خلق آليات اتصال وتواصل مع الشباب فالقطاع الإعلامي قد يساهم في الحد من استقطاب الشباب من قبل التنظيمات المشبوهة.
دور الجانب الاتصالي في محاربة الإرهاب
كما أن نجاح التنظيمات الإرهابية في عمليات الاستقطاب، يعود أساسا إلى عدة عوامل أبرزها غياب دور مؤسسات القرب الرسمية في الإحاطة بالشباب، وأولها العائلة التي تخلت عن مسؤولياتها في احتضان أفرادها حيث نجد اليوم العائلة مفككة لا تواصل بينها، فيما يعيش كل فرد منها صلب فضاء افتراضي منعزل، وفق محدثنا.
كما أن تقصير العائلة ودور الشباب والثقافة والكشافة والنوادي والجمعيات في توعية الشباب، قادر على فسح المجال أمام مؤسسات قرب بديلة على غرار شبكات ترويج المخدرات والمافيا واللوبيات التي تشجع على التهريب وصولا للتنظيمات الإرهابية.
وبيّن المتحدث أن هذه التنظيمات أو مؤسسات القرب البديلة تستقطب الشبان بناء على الاستجابة لنقاط ضعفهم، من خلال توفير كافة النقائص للمستقطبين على غرار الأموال، الجنس وغيرها…
وأكد المتحدث أن الدولة اليوم مطالبة بالتركيز على الجانب الاتصالي في محاربة الإرهاب من أجل قطع الطريق على التنظيمات الإرهابية باستقطاب الشباب، محذرا من أن الآفة التي تعصف بالمجتمع التونسي اليوم تتجاوز الإرهاب وهي أن مؤسسات القرب لم تعد تقوم بمهامها الرسمية في الإحاطة بالشباب.
وتعتبر تونس بعد الثورة معقلا للجماعات الإرهابية التي تتخذ من المرتفعات الغربية للبلاد حصنا لها، وتتنامى المخاطر الإرهابية يوما بعد يوم، في ظل الأزمة السياسية الحادة، حيث شهدت تونس مؤخرا حادثة إرهابية تمثلت في انفجار لغم تقليدي الصنع على مدرعة عسكرية مما أسفر عن استشهاد 4 عسكريين، بمرتفعات المغيلة بين ولايتي القصرين وسيدي بوزيد.