بالتوازي مع وصول المركبة “بيرسفيرنس” (المثابرة) بنجاح على كوكب المريخ، انصب اهتمام التونسيين على المهندس التونسي محمد عبيد الذي يعمل ضمن فريق مشروع “المريخ 2020” باعتباره نائب كبير المهندسين الميكانيكيين.
إشادة عربية وتونسية بقصة نجاح عبيد الذي يعتبر أحد أهم الكفاءات في مجال اختصاصه، لكن مشاعر الفخر التي أبداها التونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي امتزجت بحيرة وتساؤلات حول إمكانية بروز المهندس محمد عبيد وأمثاله من الخبرات في حال عدم مغادرتهم البلاد؟ وأي مصير للكفاءات التونسية التي فضّلت العمل في تونس؟
هجرة الأدمغة من خيار إلى ظاهرة
يقول المهندس الشاب صقر مناعي لـ”JDD”، إنه فضل الاستقرار في فرنسا بعد سفره بمنحة من الدولة التونسية للمتفوقين للحصول على شهادة الماجستير، موضحا أنّ شركة فرنسية دعته لدعمه ماديا مقابل حصوله على شهادة الدكتوراه لأنّ موضوع بحثه أثار اهتمامها.
وأوضح مناعي أنّه ما كان ليحصل على هذه الفرصة لو عاد إلى تونس بمجرد حصوله على الماجيستير مشيرا إلى أنّ المسألة لا تتعلق فقط بالجانب المادي فالبحث العلمي في تونس لا يحظى باهتمام الحكومات المتعاقبة رغم أهميته والتي برزت خاصة تزامنا مع الجائحة الصحية التي ميزت دولا على حساب أخرى بفعل مدى جدية البحوث، وفق قوله.
وفي سياق متصّل، أكدت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ، أن حوالي 94 ألف كفاءة تونسية غادرت البلاد بين 2011 و2018، 84 بالمائة منها نحو أوروبا، وهم في الغالب باحثون ورجال أعمال وأطباء وأكاديميون، وتعد تونس أكبر الخاسرين في كل ذلك، حيث أن تكلفة تعليم طالب الطب، يكبد البلد ما يقرب من 100 ألف دينار سنويا، وفق التقرير ذاته
وبالإضافة إلى ميدان الطب هنالك أيضا 8000 إداري و 1200 رجل أعمال و 1464 بين معلمين وأساتذة، غادروا البلاد بين 2014 و2015.
واعتبر التقرير أن أسباب هجرة الأدمغة مادية أساسا، إذ يتقاضى هؤلاء 5 إلى 10 مرات قيمة رواتبهم بتونس.
وبالإضافة إلى ذلك ورغم الترفيع في ميزانية الدولة لسنة 2021، بنسبة 2.55 بالمائة أي ما يعادل 45.409 مليون دينار ، ما زالت ميزانية البحث العلمي ضعيفة جدا، في حدود 1828 مليون دينار ، مع العلم أنها كانت سنة 2020 في حدود 1782.591، مليون دينار.
“مشروع وطني”
أكد الشاب صقر المناعي أنّ من بين الأسباب التي تجعل الشباب يختار الرحيل، هو غياب مشروع وطني لاحتضان الكفاءات وحتى بالنسبة للذين لا يحصلون على أعداد جيدة في مسيرتهم الدراسية، فالدول الأوروبية تسعى لإدماجهم في مهن واختصاصات أخرى وفقا لما يختارونه دون الحاجة إلى إضاعة عشرات السنين في مدارج المدرسة والجامعة.
ويرى مناعي أن الدولة قادرة على إيقاف تزييف الهجرة القانونية وغير النظامية بتوفير أسباب الأمل للشباب بمختلف مستوياتهم التعليمية، داعيا إلى العمل على خلق فرص للإبداع والتفكير الحر .
كما أكد أن الأزمات السياسية والاجتماعية التي تواترت طيلة السنوات العشر الماضية تجعل الأولياء يفكرون في مستقبل أفضل لأبنائهم بعيدا عن “الفوضى وانعدام الأمان”، وفق قوله.
ووفق استبيان أنجزه مركز الدراسات الإستراتيجية، عبّر 78% من المُستجوبين عن رغبتهم في الهجرة وهو ما يعتبر رقما مرتفعا جدا.
وحسب الاستبيان فإن 55% من الطلبة الذين يقررون إتمام دراستهم في الخارج لا يعودون بعدها إلى تونس، بل يستقرون للعمل هناك، وتعتبر أوروبا الغربية الوجهة المفضلة للأدمغة التونسية إذ تستقطب 60% منهم، فيما تستقبل كندا وأميركا الشمالية ما بين 25 و30% بينما يهاجر 15% نحو دول الخليج.