صحيفة الأحد – Jdd Tunisie

محمود المسعدي.. غيلان يعيش أبدا

محمود المسعدي أحد أبرز أعلام الأدب العربيّ في العصر الحديث، بدأت علاقته بالأدب من خلال تأثّره بالمفكّرين المسلمين القُدامى، خاصة الإمام العزالي، حيث تعرف على آثارهم التي خلّدتها الإنسانية أثناء التحاقه بالمعهد الصادقيّ في تونس، بالإضافة إلى اطّلاعه العميق على الآداب الغربيّة عامّة والفرنسيّة بوجه خاصّ.

هذا الاطلاع الواسع دفع بالمسعدي إلى التركيز في أدبه على القضايا الإنسانيّة كالموت والحياة والحرية والإرادة والخلق والإيمان وغيرها من المشكلات التي تحثُّ الإنسان على التقصي والبحث عن ذاته وفيها وإمكانياته وحدود قدراته.

يعتبر أيضا مؤسس الجامعة التونسية وصاحب مبدأ مجانية التعليم، حيث وضع الإنسان في منزلة محرّك الحياة من خلال إبراز قدرته وإمكانياته كمحرك خلّاق لعناصر الوجود التي أوجدها الله في الكون كما يقول المسعدي نفسه.

تقول أستاذة العربية واللسانيات الدكتورة علياء الخادمي لـ”JDD”، إن كتابات المسعدي جاءت كعميلة نقدية للواقع الذي عايشه فترة الاستعمار الفرنسي ومن ثمّ فترة بناء الدولة الوطنية التي كان أحد أهم رجالاتها.

وتؤكد الدكتورة الخادمي أن ما يميز المسعدي أيضا هي طريقته السردية الفريدة في طرحه وأساليبه الكتابية، وهو ما جعل نص المسعدي حيّا دائما، تتداوله أجيال بالنقد والتحليل والدراسة والبحث والمعرفة وهو بالأساس ما كان يسعى إليه المفكر ، من خلال حثّ الإنسان على الخروج من المألوف والتفكير خارج الصندوق.

صرّح المسعدي في مجلة الأصالة الجزائرية سنة 1975 قائلا “إن الثورة مهما كانت وسائلها وغاياتها لا بد لها من قاعدة ثقافية تكون منطلقا لبث الوعي وتعبئة الطاقات الخلاقة وتغيير العقليات، وتهيئة الفرد للمشاركة في تحمل المسؤولية، وعلى هذا الأساس ينبغي لنا أن نتصور أن الحركة الثقافية بمثابة ثورة مستمرة فهي مبتدأ الفعل الإنساني وتتويجه الحتمي”.

ويبقى السدّ إلى اليوم نصّا فريدا، يتيم دهره، ودرّة ليس كمثلها في أدبنا الحديث مغامرة، امتاع وإبداع والتزام أدبي وفكري حيث وضع المسعدي في مسرحية السد بطله غيلان وسط معركة التحدّي وإثبات الذات وتكريس الفعل في وجه إرادة الآلهة، التي تصرّ على وضع المحاذير أمام غيلان وسده.

صراعات موضوعية تسوقها المسرحية بين الثورة والرضوخ والإذعان، فبطلها الرئيسي غيلان كان تجليّا للطموح والمثابرة والمكابدة، ومن خلال شخصيات هذا المتن أظهر المسعدي ثنائية الحياة والموت، الثورة واللاثورة، من خلال علاقة الشخصيات ببعضهم ودلالات الأزمة والأمكنة التي يستعملها.

وتوضح الدكتورة الخادمي أنّ تحديد الأزمان والأماكن التي دارت فيها أحداث السد ليس بديهيا بالنسبة للقارئ، فلم يذهب المسعدي إلى تحديد بلد معيّن أو تاريخ محدد في نصه وقد يكون ذلك من أحد أهم مميزات المتن، الحرية، وكونية المبادئ الإنسانية فلا يوجد مكان أو زمان للدعوة إلى التمرّد والحث على الانتفاضة على كل ما هو سائد ومفروض من قوى الغيب.


كتابات المسعدي ساهمت في تبلور شامل لطموح جيل كامل من المثقفين، بينهم أبو القاسم الشابي، الذي ناضل هو وغيره من أجل بناء ثقافة وطنية مواكبة لروح العصر ومتحررة من التخلف والتبعية.

محمود المسعدي، غادر عالمنا في 16 ديسمبر 2004، تاركا أفكاره الملحمية التي ساهمت في بناء جيل مثقّف حمل عبء التأسيس على كتفيه بعد تشبعه بالمبادئ الإنسانية.

الخروج من نسخة الهاتف المحمول