صحيفة الأحد – Jdd Tunisie

في بقية الأسباب العميقة لتعثر مسار الانتقال الديمقراطي

 بقلم  : العميد عبد الستار بن موسى

      إن التراخي المشهود  في إرساء المحكمة الدستورية  والبطء المقصود في بعث  الهيئات الدستورية  المستقلة  فسح المجال  للعمل بالمنظومة القانونية  الساريَة  وهي في أغلبها منافية للدستور . فلا يمكن حاليا  الدفع  بعدم دستوريتها   بل  إن الطبقة السياسية   الحالية  تمسكت  بها ورفضت  تعديلها  وملاءمتها مع الدستور  الأمر الذي غذى الممارسات  الماسة بالحقوق  والحريات  وشكل تراجعا  عن المكتسبات  التي تحققت بفعل الحراك الثوري .

  1.  القوانين السارية  المتعلقة  بالحق والحرية  في أغلبها منافية للدستور 

 تمثل  القوانين  المتعلقة  بالتتبعات  الجناحية والجنائية  والإجراءات  الجزائية وبالصحافة  والإعلام أهم الترسانة  القانونية المتعلقة  بالحقوق والحريات  إن المجلة الجزائية تعتبر من اعرق النصوص  التشريعية  الوضعية  فهي نتاج  أعمال لجنة  أحدثت في الغرض  في 6 سبتمبر 1986 وصدرت  يوم غرة أكتوبر 1913 ولم تدخل حيز التنفيذ  إلا بداية من جانفي 1914  أي قبل قرن من اندلاع  الثورة ومنذ الاستقلال  تم إدخال عدة تعديلات عليها  فاقت 58 تعديلا. إلا أن  المجلة في شكلها  ومضمونها الحالي  تجاوزتها الأحداث  ولم تعد  بعض أحكامها  متلائمة مع الدستور مما جعلها عند إحداث المحكمة الدستورية  عرضة للدفع  بعدم  دستورية أحكامها.  كما أن المجلة الحالية لا تستجيب للمعايير الدولية، فهي تتسم بالتشدد وتهدف إلى العقاب أكثر منه إلى الإصلاح  .  كما أن الجنايات تشمل  عددا ضخما  من الجرائم  حتى التي لا تشكل خطرا  مما يستوجب أبحاثا ابتدائية  أولية أو بموجب إنابة عدلية وأبحاث قضائية  أمام  قلم التحقيق ودائرة الاتهام الأمر الذي  يمطط في مراحل وأطوار المحاكمة التي لا تكون في آجال معقولة وفق ما نص عليه الفصل 108 من الدستور  وقد يبقى المضنون فيه موقوفا  طيلة التحقيق ثم تظهر براءته  في نهاية المطاف . لذلك يجب التقليص  من عدد الجنايات حتى لا تشمل إلا الجرائم الخطيرة . كما يجب تغيير السياسة  الجزائية وتحويلها من الصبغة العقابية إلى الصبغة الإصلاحية  خاصة بالنسبة للجرائم  البسيطة  التي يضلَ عقابها بالسجن  في المجلة الجزائية  السارية  والحال أنه كان بالإمكان  الاكتفاء  بخطية  بغاية الردع  وتفادي التشفي.  ثم َ أن َ العقوبات  البديلة  التي تم إدراجها صلب المجلة  بموجب تعديلات حديثة ( كالخدمة للمصلحة العامة )  لا يقع تفعيلها  إلاَ نادرا . إن المجلة الحالية لم تتضمن مبدأ مسؤولية الشخص المعنوي  على خلاف المشرع  الفرنسي ، الأمر الذي أدى  إلى إفلات  العديد من الذوات المعنوية ( شركات جمعيات )  من العقاب الجزائي . لم تحتوي المجلة أيضا  على الجرائم الدَولية ضد الإنسانية  كالإبادة  والاختفاء  ألقسري وهو ما يتناقض  مع المواثيق  الدولية التي صادقت عليها البلاد التونسية . أما مجلة  الإجراءات  الجزائية التي صدرت سنة 1968 فإن  العديد من أحكامها  لم تعد مسايرة للتوجهات الحديثة في ميدان التتبع الجزائي وأصبحت غير ملائمة مع الدستور الجديد وولَدت اختلافات جوهرية  في الاجتهادات  الفقهية  والقضائية  وحتى بين دوائر  محكمة التعقيب ( مثل مسالة  تعقيب قرارات دائرة الاتهام ) .

إن مجلة الإجراءات الجزائية ورغم التعديلات العديدة التي أدخلت عليها  لا تزال غير ضامنة للحقوق والحريات . فالنيابة العمومية لازالت خاضعة للسلطة التنفيذية  والشرطة العدلية مازالت تابعة لوزارة الداخلية .

إن التعديل  الجديد الذي وافق عليه مجلس  نواب الشعب  يوم 2 فيفري 2016 والمتعلق بالاحتفاظ  يمثل خطوة هامة في مجال حماية حقوق المتهمين  باعتباره قلص من مدة الاحتفاظ إلى 48 ساعة  بالنسبة للجنايات و 24 ساعة بالنسبة للجنح  ومكن  المتهم منذ تاريخ الاحتفاظ  به من الاستعانة  بمحام إلاَ أن تلك  التعديلات  على أهميتها  غير كافية لأن المشرع حرم المتهم  في الجرائم المتعلقة بالإرهاب  من الاستعانة بمحام في بداية الاحتفاظ الأولى  كما منع على المحامي حضور أعمال التحقيق الأولي  وحرمه من الإطلاع على سجلات الاحتفاظ بالنسبة للجرائم مهما كان نوعها  والتثبت  من أن بداية الاحتفاظ  تتفق فعلا مع بداية الإيقاف . 

إن مجلة الإجراءات الجزائية لا تضمن مبدأ المساواة  بين جميع الأطراف الذي نص عليه الفصل 108 من الدستور  كما أنها لا تكفل مبدأ التوازن  بين المتهم والمتضرر  والمجتمع  ولا تضمن الحق في المواجهة . أما الإجراءات المتبعة أمام دائرة الاتهام  فإنها لا تضمن  حقوق الأطراف باعتبار أن الدائرة تنظر في الملف  لا تحرر على المتضررين  وعلى المتهمين وإنابة المحامي لديها  في الملفات الجنائية  غير وجوبية .

إن الفصل 199 من مجلة الإجراءات الحالية  ولئن تضمن مبدأ أساسيا  يتعلق ببطلان كل الأعمال  والأحكام المنافية  للنصوص المتعلَقة بالنظام  العام أو القواعد الإجرائية  الأساسية أو بمصلحة المتهم الشرعية ، فإنه ورد في باب الأحكام المشتركة للمحاكم ولذلك  لا ينطبق  فعليا إلا على الأحكام القضائية  ولا يشمل الأبحاث الأوليَة .

 أما بالنسبة  لتنفيذ الأحكام  الجزائية  وخاصة القاضية بالسجن  فهي لا تخضع في ظل التشريع الحالي لإجراءات مضبوطة ودقيقة  تضمن احترام حقوق السجين والمحافظة على كرامته  وتصون مصلحة أسرته .

 أما القانون المتعلق  بحالة الطوارئ  فقد أدى إلى ديمومة التدابير الاستثنائية وفرض القيود على الحريات  رغم مصادقة البلاد على المواثيق  والمعاهدات الدولية  التي تخضع التدابير الاستثنائية إلى  عدة  مبادئ  أهمها  مبدأ  الشرعية  ومبدأ الضرورة  حتى لا تِؤدي  إلى نسف  الحقوق والحريات . لقد نصَ دستور سنة 1959 على أنَ رئيس الدولة   يختص باتخاذ التدابير الاستثنائية  في حالة الخطر  الداهم  ولا يرجع في ذلك إلى البرلمان بل يكتفي باستشارة الوزير  الأول ورئيس مجلس النواب  ورئيس مجلس المستشارين  وفي ظل ذلك الدستور  صدر الأمر عدد 50 المؤرخ في 6 جانفي 1978 لمجابهة الإضراب العام والأحداث الدامية التي جدت آنذاك بالبلاد  وقد حدَد  ذلك الأمر  مدَة حالة الطوارئ  بثلاثين يوما  بموجب أمر يصدره رئيس الدولة .

 وطبق الفصل 80 من دستور 2014 فإن رئيس  الجمهورية في صورة خطر داهم  مهدد لكيان الوطن أو امن البلاد  واستقلالها  يتعذَر معه  السير العادي  لدواليب الدولة يمكنه أن يتخذ التدابير  التي تحتمها  الحالة الاستثنائية  وذلك بعد استشارة  رئيس الحكومة  ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية .

إلا أن أمر 1978 لم يقع إلغاِؤه وظلَ  مُعتمدا بعد أن تم تطبيقه  سنوات 1978 و1984 وبعد  ثورة 17 ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011 ومازال العمل به إلى حد الآن . إن ذلك الأمر تضمن عدة إجراءات تمس من الحقوق والحريات  فبموجبه يتم فرض حضر الجولان  ومنع الإضرابات  والمسيرات  ويجيز تسخير العمال والمكاسب كما يمَكن وزير الداخلية  من وضع أشخاص تحت الإقامة الجبرية  مثلما حصل سنة 1978 للبعض  من القيادات النقابية  أو ضد عدد من رجال الأعمال  المتهمين  بالفساد  سنة 2017  كما أن ذلك الأمر يمكن السلطة السياسية من منع الاجتماعات  وتفتيش المنازل بالليل والنهار ومُراقبة الصحافة والعروض الثقافيَة .

 إن ذلك الأمر يتناقض كليا مع الدستور لأنه يمس من حرية التعبير والإعلام ومن الحق في التنقل والإضراب والتجمع وتنظيم المسيرات  والحق في الثقافة والإبداع  ورغم كل ذلك  بقى الأمر ساريا  معتمدا مرارا وتكرارا 

2)غياب الإرادة  السياسية في إصلاح المنظومة القانونية الحالية 

تعددت مشاريع القوانين التي تدعم الحقوق والحريات لكنها بقيت  تراوح مكانها أو أودعت في أدْراج  النَسيان 

إنَ اللجنة التي أحدثتها  وزارة العمل سنة 2014 لتنقيح المجلة الجزائية أعدت مشروعا حداثيا  منذ سنة 2018 في انتظار المصادقة عليه  من قبل الحكومة قبل عرضه  على النقاش  أمام البرلمان . لقد تضمن  المشروع الجديد إعادة تصنيف  الجرائم والعقوبات  تماشيا  مع الدستور  وتطابقا مع المعايير  الدَولية  المتعلَقة  بالمحاكمة  العادلة  . لقد تضمَن المشروع الجديد إصلاحات  جوهرية عديدة أهمها التقليص من الجرائم  المصنفة  جنايات،  وذلك قصد تفادي  مرحلة التحقيق القضائي  الذي يشهد اكتظاظا رهيبا  والدفع إلى إصدار الأحكام الجزائية  في آجال معقولة  تنفيذا للفصل 108 من الدستور .

لقد أضاف  المشروع الجديد عقوبة بديلة  وهي الخطية اليومية وجعلها تنسحب على الجنح  البسيطة . تُمكن هذه  العقوبة من تفادي  العقوبة السجنية  وتخفيف الضغط  الذي تعاني منه السجون.  كما تضمن المشروع  عدة عقوبات  بديلة مثل العمل لفائدة المصلحة العامة والتعويض الجزائي  الذي يضع  حدا للدعوى الجزائية المتعلقة بالجنح  التي لا تشكل أي خطورة على النظام العام  وتمكن المتهم من  دفع تعويض مالي لفائدة المتضرر .

لقد أفرد المشروع الجديد  الشبان الذين يكون سنهم  بين 18 و 21 سنة من نظام عقابي خاص قصد  إصلاح هذه  الفئة الناشئة  وتخليصها من  مغبة العود وإدماجها  في المجتمع كقوة  منتجة .

أقرَ المشروع أيضا  المسؤولية  الجزائية للشخص المعنوي  لسد الفراغ  التشريعي  الحالي الذي يساهم  في إفلات الذوات المعنوية  من العقوبات  سواء بالسجن  أو بالخطيَة.

تضمن المشروع أيضا  مفهوما جديدا للأمراض التي تصيب ملكة الإدراك  لدى الإنسان  عند ارتكابه  الجريمة  ومسالة نقص الإدراك عند ثبوتها  ستمكن القاضي من  النظر  في المسؤولية  النَاقصة  وعلى أساسها  يقضي  بتخفيف العقوبة . لقد أقرَ المشروع طبقا للدستور شخصيَة العقوبة إذ منع تتبع الشخص من أجل نفس الأفعال مرتين أو أكثر .

أحدث مشروع المجلة أيضا الجرائم الدولية  المتعلقة بالاعتداء على الأشخاص  وهي الجرائم المصنفة ضد الإنسانية مثل الإبادة  الجماعية وذلك تماشيا  مع نظام  روما المتعلق  بالمحكمة  الدولية  الذي صادقت عليه  بلادنا  إلا أن تلك المصادقة  بقيت دون تفعيل  لعدم تنزيلها  في النصوص القانونية الوطنية . 

 أما اللجنة  المكلفة  بتعديل  مجلة الإجراءات الجزائية  فقد بذلت  مجهودات جبارة  وأعدت  بعد نقاشات  وحوارات تواصلت  على امتداد 5 سنوات (2014-2019) مشروعا يضم 631 فصلا موزعة  على 7 كتب وحرصت على حسن التبويب  ودقة الوضوح  ونصت على إنشاء آليات وهياكل جديدة،  من شأنها أن تحمي  حقوق الأفراد  وحقوق المجتمع  معتمدة في ذلك على الدستور الجديد وعلى المعاهدات الدولية المصادق عليها  واستئناسا بالتجارب الأجنبية.  لقد حاول المشرع  تحقيق  نوع من التوازن  في حاجة إلى مزيد  من الدعم والتوضيح  بين حماية حقوق  المتهم في اتجاه أنسنة العقوبة المسلطة عليه  وحماية المجتمع  وحير الضرر الحاصل للشاكي.

 لقد تضمن  مشروع  المجلة قسما  خاصا ببدائل  التتبع استئناسا  بالقانون  المقارن  وهي آليات  تمكن من وضع حد للنزاع  الجزائي قبل إثارة الدعوى  العمومية  مع إمكانية  جبر الضرر الحاصل للشاكي . نص المشرَع  على ثلاثة بدائل إحداها  موجودة وهي الصَلح بالوساطة إلا أنها غير مفعَلة  لأنها اختيارية  في حين أنَ المشرع  الجديد جعلها إجبارية . يتمثل البديل  الثاني  في تأجيل التتبع  في المخالفات  والجنح عندما  يقرَ المتهم  بارتكابه  للفعل ويعبَر عن ندمه  ويطلب الصفح  ويتولى  جبر الضرر للشاكي الذي يقبل  بالعدول على التتبع . أمَا البديل الثالث  فيتعلَق بالإمهال  في إصدار العقوبة  لتصحيح الوضعيَة  المخالفة للقانون  كالسياقة بدون رخصة  حتى يتمكن المخالف من  الحصول على رخصة في اجل معيَن

جسَد المشروع الجديد المبادئ الدستورية كاعتبار كل شخص برئ حتى تثبت إدانته والحق في الدفاع في كامل  أطوار القضية والتقاضي على درجتين  والمحاكمة  في أجل معقول  وأصبح الحق في الصَمت بالنسبة للمتهم  قاعدة أساسية كما أصبح التحقيق  وجوبيا  فقط في الجنايات  لتفادي إغراق  قضاة التحقيق  بالقضايا الجناحيَة  مثلما هو معمول به حاليا . ألغي المشروع الجديد دائرة الاتهام  بمحكمة  الاستئناف  و عوضها بدائرة  الحقوق والحريات  بكل محكمة  ابتدائية  تتولى الإشراف على أعمال التحقيق وتنظر في الطعون إستئنافيا  وفي القرارات الصادرة  عن قاضي التحقيق وذلك في إطار تقريب  القضاء  من المواطن . كما أن إنابة المحامي  أصبحت وجوبية أمامها .  أما بالنسبة لتنفيذ   الأحكام السالبة للحرية فقد نص المشروع  الجديد على ضرورة أن يكون التنفيذ ناجزا  عادلا مراعيا لحرمة  الإنسان وكرامته  وحقوقه  المضمونة بالدستور.  كما أقر المشروع  مبدأ تفريد تنفيذ العقوبة أي مراعاة الحالة النفسية والصحية والاجتماعية  للمحكوم عليه  وأنسنة تنفيذ العقوبة السجنية  في إطار نظام جديد يمكن من تأهيل  الشخص  وإصلاحه قصد إدماجه  مجددا في المجتمع كل ذلك في إطار  احترام المواثيق الدوليَة .

 أما المنظومة القانونية المتعلقة بالصحافة والإعلام والمتمثلة في المرسومين عدد 115 وعدد 116  لسنة 2011 وقانون النفاذ إلى المعلومة  فقد شكلت  نقلة نوعية  في مجال الإعلام  ليصبح حرَا  ولا يخضع لقيود  وزارة الداخلية  فتأسست من اجل ذلك  الهيئة العليا  المستقلة   للاتصال السمعي  البصري  وتعدد المشهد الصحفي والإعلامي  إلا أن المنطق  يفرض  تنقيح المرسومين عدد115 وعدد116 ليتخذا  شكل قانونيين أساسيين  نظرا لتعلقهما  بالحريات  وطبقا لما نص عليه الدستور.  لقد تم في هذا المجال  إعداد مشروع  قانون أساسي  بالنسبة للقطاع  السمعي والبصري  بالشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني وهو المشروع عدد 2020/95  الذي أحالته الحكومة على مجلس نواب الشعب  بتاريخ 9 جويلية 2020 وهو مشروع يستجيب حسب الخبراء وأهل المهنة للمعايير الدولية  ويمكن من انتخاب  هيئة الاتصال السمعي  البصري باعتماد الأغلبية  المعززة طبقا  لما تضمنه  الدستور. إلا أن  مجلس النواب أرجأ  النظر في ذلك المشروع إلى أجل غير مسمَى 

3)السعي إلى تمرير مشاريع قوانين زجريَة.

عوض الإسراع بالنظر  في مشاريع القوانين  الواردة  على البرلمان والتي ترمي إلى تعزيز الحقوق والحريات ، يسعى بعض الأطراف  ولخدمة مصالح حزبية  وسياسية ضيقة  إلى تقديم مبادرات تشريعية بديلة  تمس من الحقوق  والحريات مثل مشروع  القانون المتعلق  بحماية  القوات الأمنية  أو المبادرة  التشريعية المتعلقة  بتعديل  الفصلين 245 و247 من المجلة الجزائية  والمتعلقين  بالثلب  وجعله ينسحب على المدونين وهي مبادرة انتقدتها عديد الأطراف واعتبرها مجلس الهيئة الوطنية  للمحاميين في بيان تكتسي طابعا زجريا وتندرج في إطار  الاعتداء على الحريات  وهو ما دفع بأصحاب المبادرة إلى سحبها . أمَا الحكومة  فقد سبق لها  أن قدمت  بداية  سنة 2018 مشروع قانون  ينظم عمل القطاع الإعلامي  بتونس ويعوض المرسومين عدد 115 وعدد 116 . لقد برزت أثناء مناقشة  ذلك المشروع خلافات حادة  بين الحكومة ووزارة  حقوق الإنسان  من جهة والنقابات المهنية والهيئة المستقلة  للاتصال السمعي البصري  والمجتمع المدني  من جهة أخرى  لقد اعتبرت الأطراف الناقدة  أن ذلك  المشروع سيؤدي  حتما إلى التضييق على عمل الصحفيين والإعلاميين  وسيكون  سيفا مسلطا على وسائل الإعلام  واعتبرت الهايكا أن مشروع  القانون  يمثل تراجعا عن المكتسبات  التي تحققت  في مجال الإعلام  وضربا لمبادئ الديمقراطية التي أقرها  دستور البلاد .

بفعل تلك الضغوطات تولت الحكومة  سحب مشروعها الأول الذي حاولت تمريره . في فترة لاحقة  عمدت إحدى الكتل البرلمانية إلى تقديم مبادرة تشريعية جديدة تمكن الأجانب دولا وأفرادا ومجموعات  من امتلاك  وسائل  إعلام تونسية  وتسمح بإلغاء التراخيص  المسبقة لإطلاق قنوات إذاعية مقابل  الاكتفاء  بالتصريح . تم تعليل المبادرة بإطلاق حرية الصحافة  والإعلام  وهو تعليل مردود . إن  المبادرة التشريعية الجديدة ستسمح بإزاحة  عقبة الهيئة المستقلة للاتصال  السمعي البصري واختيار  أعضاء الهيئة  الدستورية  بمجرد أغلبية بسيطة  من النواب خلافا لما تضمنه الدستور  الذي  اشترط أغلبية معززة .

لقد ولدت تلك المبادرة  التشريعية احتقانا كبيرا لدى  الصحفيين و الاعلامين والمنظمات المهنية والحقوقية نظرا لما تمثله من أخطارا ستحدق بالإعلام  وستجعله خاضعا للبارونات السياسية والمالية ومجالا لتبييض المال الفاسد وإطارا لترويج خطاب التحريض والكراهية وبفعل تلك الضغوطات تم تجميد المبادرة إلى حين اغتنام الفرصة المناسبة .

4)تنامي الممارسات الماسة بالحقوق والحريات 

تشهد الحريات العامة والفردية عدة تضييقات خاصة في إطار تواصل الإجراءات الاستثنائية المفروضة بموجب الأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 جانفي 1978 والمتعلق بحالة الطوارئ  في غياب المحكمة الدستورية فإن إعلان التدابير الاستثنائية لا يخضع إلى أي رقابة قضائية وتبقى السلطة التقديرية  بيد الجهاز التنفيذي ، وفي كل مرة يتم الإعلان فيها عن حالة الطوارئ تختار الحكومة الإجراءات التي تبدو لها مناسبة كحظر التجوال ليلا مع تعديل المواقيت وفي بعض الحالات يتم وضع أشخاص  تحت الإقامة الجبرية ومحاولة  منع المسيرات و الاجتماعات وهو ما يشكل خرقا فاضحا  للدستور ومسَا من الحقوق والحريات . أما حرية التنقل فقد ظلت في مهب الإجراءات الحدودية التي تقرها وزارة الداخلية دون أذون قضائية  وفي الغالب دون إعلام المعنيين بالأمر بما يترك أثرا كتابيا وحسب إحصائيات رسمية فإن عدد الأشخاص المعنيين بالإجراءات الحدودية يفوق حاليا ثلاثة آلاف  في حين أن عدد الخاضعين لإجراء الإقامة الجبرية يتراوح بين 350 و400 شخص .

أما مسألة التعدي على الحرية الذاتية  والتعذيب داخل أماكن الاحتفاظ بالسجون فإنها إذ لا تعد عملا ممنهجا فقد ظلت ممارسة متواصلة حسب إفادات الضحايا في العديد من الحالات.

أما بالنسبة لحرية الإعلام  والصحافة  فقد وثقت  النقابة الوطنية للصحفيين والهايكا  عديد الاعتداءات  على الصحفيين والإعلاميين  ففي بيان صدر بتاريخ غرة فيفري 2021 حملت الهايكا الحكومة مسؤولية استهداف  حرية  الصحافة  واستقلالية مؤسساتها  كما أدانت الاعتداءات  المتواترة  عن الصحفيين والصحفيات واعتبرتها  حلقة من سلسلة  المحاولات  المكشوفة  لتكميم الأفواه والاستحواذ على الفضاءات الإعلامية  السمعية  البصرية  وتوظيفها للدعاية السياسية والمصالح  الحزبية الضيقة  كما حملت الهيئة الحكومة مسؤولية  عرقلة مسار إصلاح الإعلام  العمومي وتعطيل  معالجة ملفاته  بما له من تداعيات خطيرة  على نجاعته ومدى قدرته على أداء وظائفه والقيام بدوره .في هذه المرحلة الصعبة من الانتقال الديمقراطي .

الخروج من نسخة الهاتف المحمول