يتّفق أغلب الفاعلين السياسيين وخبراء الاتّصال على ضرورة تقنين عمل شركات سبر الآراء التي أصبحت تنشر دوريا نتائج الاستطلاعات المتعلقة بالانتخابات التشريعية والرئاسية.
هذا الإجماع لم يكن كافيا، فمشروع القانون الأساسي عدد 21/2016، والمشروع عدد 23/2017 المتعلقان بتتظيم عمليات سبر الآراء ما زالا يراوحان مكانهما برفوف مجلس نواب الشعب منذ سنوات دون تحديد موعد لعرضهما على النقاش العام والمصادقة عليهما.
تأثير على الرأي العام
أكّد الأستاذ الجامعي هاني مبارك لـ”JDD”، أنّ عمليات سبر الآراء تؤثر على الرأي العام وأحيانا يكون هذا التأثير بشكل قوي وكبير، على حد قوله.
وقال مبارك إنّ الأحزاب السياسية تدفع مقابلا ماديا ضخما للبروز في النتائج مما دفع بعض الدول، على غرار فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، إلى إقرار عقوبات على مؤسسات سبر الآراء إذا جاءت نتائجها بعيدة عن النتائج النهائية والرسمية للانتخابات، وتصل هذه العقوبات إلى الغلق والحرمان من مواصلة النشاط باعتبار ذلك بابا للدعاية والتحريض.
وأضاف أنّ مجرّد طرح سؤال لا يدخل في دائرة اهتمام المستجوب يعتبر تزويرا للحقائق والوقائع باعتبار أن الجواب سيفرز رأيا ورقما غير حقيقيين.
وأشار إلى أنّ عملية سبر الآراء هي عملية إعلامية لكن الإعلام في تونس ليس وسيطا كما هو مطلوب منه أن يكون لكنه أصبح طرفا يصنع الأحداث ويقوم بتركيبها ويرتبها قبل أن تقع، وفق تعبيره.
وشدد الدكتور مبارك على أنّ 90 بالمائة من المواطنين يغيرون آراءهم بفعل ما تفرزه الاستطلاعات، فالمواطن البسيط يحاول أن ينضم إلى المجموعة الأقوى والأكبر من الناس حتى لا يشعر بالغربة والوحدة مضيفا أنّ الفئة التي لا تتأثر تخص بالأساس الأشخاص الواعين الذين يملكون أسسا فكرية وإيديلوجية ثابتة.
ما الذي يمنع المصادقة على القانون؟
اعتبر هاني مبارك أنّ القانون جزء من اللعبة السياسية فليس من مصلحة بعض الأطراف ضبط إطار قانوني لأنها تستغل هذه الدعاية واستباق الأحداث خدمة للوبيات مدعومة من جهات قد تكون خارجية، حسب تعبيره.
وأكّد أن الشركات العاملة في تونس في هذا المجال لا تعطي المؤشرات والمنهجية وقواعد العمل التي تتبعها في إنجاز استطلاعاتها وهناك ملايين الطرق لتوجيه النتائج والرأي العام مشددا على أنّ نفس العائلات السياسية والأشخاص الذين تسيرون على الإعلام يقفون وراء مؤسسات وشركات لسبر الآراء.
مبادرتان تشريعيتان لم تريا النور
قدّم نواب بالبرلمان خلال الدورة الماضية 2014-2019، مبادرتين منفصلتين لإحداث هيئة مستقلة لتنظيم قطاع سبر الآراء وضمان مصداقية العملية وشفافيتها.
المبادرة الأولى أودعتها الكتلة الديمقراطية وكتلة الجبهة الشعبية في ماي 2016، وهي “مقترح قانون أساسي متعلق بسبر الآراء“، والثانية كانت ببادرة من كتلة مشروع تونس التي قدمتها في فيفري 2017 تحت اسم “مقترح قانون لتنظيم سبر الآراء واستطلاعات الرأي وإنجازها ونشرها“.
وتختلف المبادرتان في جملة من النقاط من بينها تركيبة الهيئة، فمقترح القانون الأول اختار أعضاء الهيئة من الممثلين عن قطاع الإعلام ( النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري) إلى جانب مختصين وأكاديميين فيما ينص المشروع الثاني على تركيبة مكونة من قضاة وممثلين عن المعهد الوطني للإحصاء.
ورغم ما يشدد عليه أعضاء مجلس نواب الشعب من ضرورة وضع الإطار التشريعي والقانوني لضبط عمليات الاستطلاع وسبر الآراء فهاتان المبادرتان ما زالتا في رفوف لجنة التشريع العام ولم يقع النظر فيهما إلى حدّ اللحظة.