69 سنة بأكملها منذ اندلاع شرارة الكفاح المسلّح في أحد معاركه الأخيرة ضمن مسيرة كفاح وطني خاضها شعب تاق للانعتاق والتحرر التام والكلي من مستعمر جثم على صدور أبنائه محتلا الأرض ومنتهكا العرض ومستكثرا حتى الهواء على بناته وأبنائه الذين لفظوه حدّ التقيؤ .

في وقت ترسخ شعوب العالم أجمع للحظاتها التاريخية المفصلية حتى تنهل منها الدروس وتطلع الأجيال الجديدة على ماض تستلهم منه العبر والدروس، مرت ذكرى 18 جانفي في تونس ما بعد ثورة الحرية والكرامة، وسط صمت اعلامي ولدى النخبة وحتى في صفوف الأحزاب ، الحاكمة منها والتي في المعارضة، حيث لم يصدر أي بيان من أية جهة سياسية كانت..تجاهل رسخه بن علي منذ صعوده الى الحكم بالغاء الإحتفال الرسمي بها ليواصله القائمون على الحكم بالبلاد من بعده.

18 جانفي 1952..تاريخ مفصلي

ذات 18 جانفي هبت التونسيات والتونسيون ،نصرة لوطن يئن تحت وطأة استعمار استحل البلاد والعباد،جوبهوا بالقمع والاعتقال وبلغ بطش المستعمر حدّ اغتيال مناضلين تونسيين رفضوا تعنت الحكومة الفرنسية وقتها عقب المذكرة الموجهة إلى الوزير الأكبر في تونس، حينها، محمد شنيق بتاريخ 15 ديسمبر 1951 ليعلن انقطاع الحوار مع المستعمر وينطلق مسار المقاومة.

المستعمر يطلق “اليد الحمراء”على التونسيين

حراك لاقى، وفق مؤرخي الحركة الوطنية، مجابهة حادة من قبل السلطات الفرنسية الرسمية ساندتها مجموعات استعمارية متطرفة تكونت من المعمرين وقدماء المحاربين ومن البوليس،الذين أسسوا ما يعرف بمنظمة «اليد الحمراء» المعروفة بتورطها في عشرات العمليات القذرة من مداهمات واغتيالات، أشهرها التي استهدفت الزعيم الراحل الشهيد فرحات حشاد في 5 ديسمبر 1952 والزعيم الراحل الشهيد الهادي شاكر في 13 سبتمبر 1953 اضافة إلى الشهيدين أولاد حفوز في ماي 1954. 

التونسيون يدا واحدة ضد المستعمر

في مثل هذا التحول المفصلي،تكونت حول الحزب الحرّ الدستوري الجديد بزعامة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة “جبهة وطنية” بمعية الاتحاد العام التونسي للشغل بقيادة الشهيد فرحات حشاد والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والاتحاد العام للفلاحين والمنظمات الشبابية والكشفية والطلابية والنسائية أفرزت عقد اجتماعات هامة بالمنستير وتونس وبنزرت استعدادا لدخول الشعب التونسي مرحلة نضالية جديدة في اطار هذه الجبهة، جابهها المستعمر بإصدار قرارات بتحجير الاجتماعات العامة والتظاهر ومنع الحزب من عقد مؤتمره الذي كان مقررا ليوم 18 جانفي 1952.

المستعمر يعتقل الزعماء..والمواجهة على الأرض تستمر

لإيقاف وهج الثوار التونسيين، عمد المستعمر التونسي الى القاء القبض على الزعيمين الحبيب بورقيبة والمنجي سليم فجر يوم 18 جانفي 1952 ليرد الدستوريون بعقد مؤتمر الحزب في 18 جانفي 1952 برئاسة الزعيم الراحل الشهيد الهادي شاكر، تم خلاله اصدار لائحة تاريخية تضمنت صراحة ” عدم الاعتراف بالحماية والمطالبة باستقلال تونس وتنظيم العلاقات بين تونس وفرنسا على أساس الإحترام المتبادل وحماية الجاليات الأجنبية”. 


وثيقة أججت المواجهات مع المستعمر الفرنسي لتتسع دائرة المواجهات والمظاهرات الشعبية وتمتد الى جميع أنحاء البلاد،قابلها المستعمر الفرنسي بقمع وحشي لتمتلئ السجون المدنية والعسكرية والثكنات بآلاف التونسيين الذين مورست عليهم شتى أنواع التعذيب وحوكم حوالي ثلاثة الاف تونسي صدرت في شأنهم أحكام قاسية بالأشغال الشاقة وحتى الاعدام. 

مسار وطني نحت بدم التونسيين وعذابات التونسيات، بفقد الأسر لأبنائها وترمل النساء، كله كان فداء لراية تونس..تاريخ تأبى كل نفس وطنية حرة أن تمحوه من ذاكرتها..وبهذه الأسطر نريد أن يرسخ التاريخ بأحرف من دم علّ كلماتنا توقظ ضمائر القائمين على شؤون البلاد،وتستفز بنات وأبناء الوطن ليكونوا أوفياء لدماء الشهداء وتضحياتهم ويحافظوا على مكتسبات الدولة الوطنية ولا يتركوا الكلاب تنهشها.