يعتبر التحدي الاقتصادي أكبر رهانات الحكومة الحالية ومن خلفها البلاد في ظل ما تشهده ميزانية 2021 من نقص في مواردها وارتفاع ملحوظ في نفقاتها ما يجعلها تبدو طموحة جدا مقارنة بالواقع.

وضعية اقتصادية حرجة زادتها أزمة الكوفيد بتداعياتها الموجعة على المالية العمومية ليتعمق عجز الميزانية أواخر سنة 2020 إلى 13.729 مليار دينار، ما يمثل 13.4 بالمائة من الناتج الداخلي الخام.

نفقات تتضاعف وموارد تتقلص

بحثا منا عن قراءة أكثر عمقا للوضع الاقتصادي،اتصلنا بالخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان الذي اعتبر في تصريح لـ”JDD” أنه لا مجال للاستمرار على الشاكلة الحالية ووجب وضع استراتيجية لانقاذ الاقتصاد،قائلا “يجب أن نعود لتسجيل نسب نمو بما يكفي لخلق مواطن شغل حقيقية وخلق الثروة لتحسين عيش التونسيين”.

وأكد سعيدان أن ميزانية الدولة تضاعفت 3 مرات خلال عشر سنوات حيث كانت تساوي 18 مليار دينار فيما بلغت 53 مليار دينار  سنة 2020 موضحا ” كانت ميزانية الدولة تساوي 28 بالمائة من حجم الاقتصاد التونسي سنة 2010 فيما أصبحت ميزانية الدولة تمثل اليوم 48 بالمائة من  الثروة الوطنية..ما يعني وجود تضخم كبير خاصة في النفقات العامة وهو أصل الداء في وضع المالية العمومية “.

وشدد الخبير الاقتصادي على أن المطلوب ترشيد نفقات الدولة وإعادة جزء مهم من هذه الموارد إلى الاستثمار العمومي.

ميزانية عرجاء ضعيفة التوازن

ردّا على سؤالنا حول توصيفه لميزانية الدولة لسنة 2021 اعتبر عز الدين سعيدان أن لهذه الميزانية خصائص عديدة اولها انها ليست بميزانية.

ووضح قائلا ” الأصل في الأشياء أن تنبني الميزانية على التوازن.. هذه الميزانية لا توازن فيها بين نفقات الدولة ومواردها..اضافة الى أن مجلس نواب الشعب سمح لنفسه بأن يضيف فصولا تتضمن نفقات اضافية دون اقتراح الموارد الضرورية لذلك”.

ثاني خاصيات هذه الميزانية انها تتطلب 13.1 مليار دينار من القروض الأجنبية في حين أنه ليس لنا حاليا برنامج مع صندوق النقد الدولي، وفق سعيدان، مضيفا” وطالما ليس لنا برنامج مع الصندوق لا يمكننا الاقتراض لا من المؤسسات ولا من صندوق النقد الدولي..وحتى إذا انطلقنا في الحوار مع صندوق النقد الدولي فإذا لم يكن خطاب البنك المركزي وخطاب الحكومة موحدين ضمن خطاب واحد يكون مقنعا فلن نتوصل الى برنامج جديد يمكننا من الاقتراض من الخارج..وعلى الحكومة وضع جميع الفرضيات أمامها”.

وذكّر سعيدان في ذات السياق أن صندوق النقد الدولي عاقب تونس بالغاء جزء كبير من القرض الأخير قيمتها 1.8 مليار دينار لعدم التزامنا بالإصلاحات التي تعهدنا بها.

واعتبر خبير الاقتصاد أنه من الضروري أن يحدد البنك المركزي،اليوم قبل الغد،موقفه مما تضمنته ميزانية 2021 من اللجوء إلى السوق الداخلية بمبلغ 5.6 مليار دينار لتعبئتها  موضحا “في وقت كان اللجوء الى السوق الداخلية لا تتجاوز 2.5  مليار دينار ورغم ذلك وجدت المؤسسات الاقتصادية صعوبات كبيرة للوصول الى التمويل البنكي، فما بالك بمبلغ 5.6 مليار دينار “.

زيادة في الأجور دون خلق الثروة 

يعتبر سعيدان أن البلاد إزاء إشكال كبير جدا في ظل الزيادات التي حصلت في الأجور والتي لا تتزامن مع نمو اقتصادي حقيقي موضحا ” ستخلق هذه الوضعية دوامة التسابق والتلاحق بين الأسعار والأجور في حين أن أصل المشكل لا يتم حله”.

وذكّر أن الترفيع الذي حصل في الأجور أواخر اكتوبر2020 بـ8 بالمائة جاء متزامنا مع توقعات بأن تكون نسبة النمو لسنة 2020 سلبية حيث ستبلغ -10 بالمائة.

وتساءل ” هل من الممكن الزيادة في الأجور، بما هي اعادة توزيع الثروة،في وقت نحن لم نخلق ثروة بل وخسرنا 10 بالمائة من حجم الاقتصاد ما سيؤدي ضرورة إلى التضخم المالي وارتفاع الأسعار؟؟؟ أي منطق في أن ترتفع نفقات الدولة بـ22 بالمائة في وقت تقلص فيه حجم الاقتصاد بـ10 بالمائة من السنة ذاتها “.

ميزانية أبرز ما يميزها طموحها الواضح في ظرف عالمي يتصف بارتفاع منسوب التشاؤم بالعودة لتأثيرات كورونا الكارثية على أعتى اقتصاديات العالم.