وجه الرئيس السابق، محمد المنصف المرزوقي، أمس الخميس 21 جانفي 2021، رسالة إلى الشباب المقتنع بأن حلّ مشاكل تونس يمرّ بالانقلاب على الدستور والعودة للنظام الرئاسي.
وقال المرزوقي في تدوينة مطولة في شكل أسئلة على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، دعا الشباب الداعم لهذه الفكرة، إلى الاجابة عنها، إنه لا يمكن الدعوة للاستفتاء إلا بموافقة البرلمان وهو غير ممكن، معتبرا أن الانقلاب، بدفع الغوغاء لاحتلال البرلمان كما فعل ترامب نتيجته معروفة.
من عاش بحد السيف مات به
وخذر المرزوقي من امكانية تدخل قوى للتصدي للانقلاب، وأنه سيكون أولها ، مبينا أنه حتى و لو نجح الانقلاب فإن ”من عاش بحد السيف مات به” وهو ما يترجم في السياسة أن من انقلب يوما ينقلب عليه يوما آخر ،
وتطرق المرزوقي في تدوينته إلى الحديث عن دستور 2014 ، حيث أكد أن هذا الأخير لم يُمنح من أي باي تحت الضغوط الأجنبية كما حدث سنة 1861 ولم يصوت عليه مجلس تأسيسي غُيبت عنه شرائح مهمة من المجتمع (اليوسفيون تحديدا) كما حدث سنة 1959 ، وإنما كان لأول مرة في تاريخ تونس عقدا مجتمعيا شاركت في صنعه كلّ مكونات المجتمع التونسي وبحرية غير مسبوقة في تاريخنا القديم والمعاصر.
وتم وضع الدستور بطريقة استدعت انتباه كبار الأكاديميين في العالم مشيرا إلى أن كبرى الجامعات الأمريكية طلبت منه المحاضرة لا في محتواه وإنما في منهجيته المتقدمة جدا أي إشراك ممثلي الشعب وشرائح كبيرة من المجتمع عبر مئات الاجتماعات في كل البلاد لأكثر من سنتين في نقاش راق وهذه منهجية لم يسبقنا لها إلا شعب جنوب افريقيا عند نهاية الابارتايد، وفق ما ذكره المرزوقي.
وشدد على أن الدستور التونسي يضمن للتونسيين كل الحقوق والحريات ومنها الحقوق الاقتصادية وسيادة الشعب على ثرواته الطبيعية ولم يبق سوى الذهاب لتنفيذ العقد مبينا أن من قاموا بصياغته أدوا واجبهم ولم يبق على المنتفعين إلا الدفاع عنه والحفاظ عليه وفرض تطبيق كل بنوده.
“دستور جعل حجر الزاوية في النظام السياسي مشاركة الشعب في القرار”
وأضاف المرزوقي أن الدستور جعل حجر الزاوية في النظام السياسي مشاركة الشعب في أخذ القرار وتنفيذه وتقييمه على كل المستويات أي في الانتخابات البلدية والتشريعية والرئاسية وحسب البند السابع في مجالس الحكم المحلي يوم تخلق ناهيك عن الجمعيات والأحزاب مما يعني أننا لسنا في ديمقراطية تمثيلية فحسب وإنما في ديمقراطية تشاركية متقدمة، بخصوص توزيع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وركيزتها عدم تركيز أي سلطة في يد واحدة وبخصوص تنظيم أعلى هرم السلطة التنفيذية.
وبين الرئيس السابق أن حركة النهضة كانت تريد نظاما برلمانيا منذ انطلاق كتابة الدستور، يكون فيه الرئيس مجرد صورة وكل السلطة بيدي رئيس الحكومة والحزب الأغلبي، لكنه تصدى ”بكل حزم ” عبر نواب المؤتمر في المجلس التأسيسي وكل المشاورات من وراء الستار، للمشروع لا من منطق العداوة للنهضة لكن من معرفته بالتاريخ ، مؤكدا أنه تصدى أيضا ” بكل حزم ” للداعين إلى النظام الرئاسي على غرار نجيب الشابي، مع أنه كان آن ذاك رئيسا في قصر قرطاج ويأمل النجاح في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
مآسي تونس أتت من النظام الرئاسي
وبين أن موقفه الرافض للنظام الرئاسي يأتي من معرفته بأن جل مآسي تونس أتت من النظام الرئاسي وهو الاسم المؤدب لنظام الحكم الفردي والعائلة والمقربين مشيرا إلى أنه صاحب فكرة النظام المزدوج وهاجسه الأكبر حماية الأجيال المقبلة مما تعرض له جيله أي منع عودة الحكم الفردي وتسلط دكتاتور سواء كان رئيسا أو وزيرا أولا ، وفق تقديره.
وأشار المرزوقي إلى أن الرئيس ليس له صلاحيات مجرد أكذوبة بل إن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس مجلس الأمن القومي الذي تتحدد فيه أهم القرارات السياسية ومنها التي تتعلق بحقوق الأجيال القادمة كما أنه مهندس الدبلوماسية الخارجية بهذه الصلاحيات التي يقال عنها محدودة.
وأضاف يوهمونكم بأنه لو كان للرئيس كل صلاحيات التنفيذي لجرت الرياح بما تشتهي السفن، لكن ما لا يقال لكم بغض النظر عن العودة للحكم الفردي وأخطاره أن الرئيس سيكون في هذه الحالة في قلب المعركة مع أطراف سياسية واجتماعية تناهض سياسته ومن سيلعب إذن دور الحكم والموفق وأب العائلة المجمع لكل أطياف شعب تعددي ومتخاصم طول الوقت على مبتدأ الخبر ومنتهاه؟
-هل تصدّقون حقا إن المشهد السياسي الرذيل والفقر والفساد هو نتيجة الدستور. لا . هو نتيجة حكم الثورة المضادة منذ سبع سنوات بالاعلام الفاسد والأحزاب السياسية الفاسدة وقانون انتخابي (كان له مبرر عند انتخاب المجلس التأسيسي لأن الدستور وثيقة لا تقصي أي طرف سياسي أو مجتمعي مهما كان أقليا) لكنه أصبح اليوم عبئا على الديمقراطية ويجب استبداله بقانون يجعل الحزب الأغلبي يشكل الحكومة المنسجمة الواحدة …والرئيس بالمرصاد إن تحول هذا الحزب وحكومته لمشروع استبدادي جديد.
“البرلمان التعيس تجربة فاشلة في مسلسل طويل يتعلم فيه الشعب خيبة بعد خيبة حسن الاختيار”
واعتبر أن كره البرلمان مشروع ومفهوم لكن هذا البرلمان التعيس تجربة فاشلة في مسلسل طويل يتعلم فيه الشعب خيبة بعد خيبة حسن الاختيار ولا يمكن اختزال الديمقراطية فيه ، مبينا أن ما يتم الدعوة له من مجالس شعبوية لن تكون إلا الفوضى المؤدية إلى الاستبداد .