كشف رئيس الحكومة، هشام المشيشي،خلال كلمة ألقاها اليوم الثلاثاء 26 جانفي 2021، في الجلسة العامة بالبرلمان، المخصّصة للتصويت على منح الثقة لـ11 وزيرا مقترحا، عن خارطة الطريق التي ستنتهجها حكومته خلال الفترة المقبلة.

وفي هذا الإطار أكد المشيشي، أن تونس منذ ثورة 2011، قطعت نهائيّا مع منظومة الحزب الواحد والرأي الواحد والزعيم الأوحد، مشيرا إلى أن عودته للبرلمان للحصول على الثقة، تأتي في إطار مزيد ترسيخ التقاليد الديمقراطية وتدعيم التواصل بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية وتعزيز الثقة بين مكوّنات الدولة ومؤسّساتها الدّستورية بعيدا عما اعتبره “النقاشات العقيمة” حول إجبارية عرض التّحوير الوزاري على أنظار مجلس النوّاب.

وبيّن رئيس الحكومة، أن التحوير الوزاري المقترح، جاء بعد تقييم موضوعي للأداء على رأس الوزارات، بعد الأخذ بعين الاعتبار دقّة الظّروف التّي تحمّلت فيها هذه الحكومة مسؤوليتها وتعقيدات المشهد السياسي والأزمة الصحيّة التي عمقّت الوضع الذّي تمرّ به تونس منذ بضع سنوات.

جائحة كورونا أولويتنا

وتصدّرت جائحة كورونا أولويات عمل الحكومة، وفق المشيشي، وتم وضع كلّ المجهودات والإمكانيات لمجابهتها ، رغم النقائص والصّعوبات الهيكلية التي يعرفها القطاع الصحّي جرّاء ضعف الاستثمار وهجرة الأطباء وغياب أية رؤية استراتيجية، ولا تزال المعركة مع الوباء متواصلة.

وشدد رئيس الحكومة، على ضرورة رصّ الصّفوف وانخراط كلّ القوى الحيّة في المجهود الوطني لمحاصرة الوباء وتحصين المواطنين ضدّه والحدّ من تداعياته الاقتصادية والاجتماعية على تونس ، خاصّة وأن الحرب على الوباء لا تزال متواصلة.

وبيّن أن التحدّيات والصّعوبات التّي تعرفها تونس تكتسي خطورة وتهدّد ديمومة وكيان الدّولة، ولن يكون سهلا تجاوزها في ظرف وجيز، وفق تقديره، مشيرا إلى أن الأزمة الهيكليّة التي تفاقمت على امتداد السنين وتأخّر إرادة الإصلاح لتفسح المجال أمام الخطاب الشعبوي الذي يسوّق للأوهام من أجل نقاط سياسوية وافتعال المعارك الزّائفة التي فصلها الدستور والتي لم تعد تعني للشعب التونسي ولا للشباب شيئا.

التحريض على التدمير والفوضى لا ينفع

واعتبر أن الشباب اليوم أصبح ينفر من العمل السياسيّ والجمعيّاتي ووجد لنفسه تعبيرات بديلة، تدلّ على نفاد صبره وعلى تأخّر تحقيق انتظاراته المشروعة في التشغيل والتنمية، مؤكدا أنه آن الأوان لتلبية تطلعاته دون تأخير ، خاصة وأن الثورة قامت من أجل الشغل والحرية والكرامة الوطنية.

وأشار إلى أن مطالب الشباب وطموحاته المشروعة من شغل وتنمية وعدالة اجتماعية، لم تتحقّق ، فيما تراجعت القدرة الشرائية للمواطن وانهارت الطبقة الوسطى وازدادت الجهات المهمّشة تهميشا، وإتّسعت رقعة الفقر والعمل الهش وطغت منذ 10 سنوات التجاذبات السياسية والسياسوية التّي زادت في عمق الهوة بين التونسيين والنخبة الحاكمة، ليتعمق بذلك الشعور لدى التونسيين بالتهميش وبتخلي الطبقة السياسية عن قضاياهم وعن مشاغلهم وطموحاتهم.

وأكد المشيشي أن المطلوب اليوم هو الإصغاء لصوت الشّباب الغاضب والعمل بجدّ على إيجاد الحلول الجذرية والمستدامة لمشاكله، مشددا على أن التحريض على التدمير والفوضى واستعمالها كوسيلة ضغط من جهة، و تجاهل المطالب وإنكارها من جهة أخرى، لا تنفع في شيئ بقدر ما تدمّر.

أولويّات عمل الحكومة

وكشف رئيس الحكومة، عن خارطة طريق لأولويّات عمل الحكومة والبرامج التي ستتعهد بتطبيقها خلال الفترة المقبلة وهي أساسا، إعادة هيكلة بعض الوزارات، من خلال تفعيل وزارة التكوين المهنّي والتشغيل وإضافة محور الاقتصاد الاجتماعي التضامنيّ، وذلك تأكيدا على أهميّة التكوين المهنيّ وارتباطه الوثيق بموضوع الشباب المنقطع عن الدراسة والشباب الحامل للشهائد العلميّة والذّي لا يجد فرصا للتشغيل.

كما سيتم ، وفق ذات المصدر، فصل وزارة الطاقة عن وزارة الصناعة، وتحرير قطاع الطاقة بما يسمح له من خلق الثروة وإعادة عجلة الاقتصاد، وإيجاد حلول للتشغيل، وهو ما يمرّ عبر التنمية الجهويّة المتضامنة باعتبارها الضمان الوحيد للقضاء على التفاوت الجهوي ومحاربة الفقر والتهميش، معتبرا أن الدولة هي القاطرة لتحقيق هذه التنمية بدعم المستثمرين ، فيما يمثل تحسين مناخ الأعمال وتحفيز المبادرة الخاصة أحد أبرز الأولويات التي تحرص الحكومة على تجسيمها خلال السنة الحالية.

إطلاق العنان لكلّ المبادرات

تحرير الاقتصاد من المكبّلات التشريعية والترتيبية الّتي يعاني منها كفيل بإطلاق العنان لكلّ المبادرات التي تخلق الثّروة وتدفع الاستثمار حتّى يجد كلّ من يرغب في الإبداع والابتكار الطريق ممهّدة للنفاذ إلى السوق، وفق رئيس الحكومة، الذي أكد أنه سيعمل بداية من السّداسي الأوّل لسنة 2021 على إلغاء أو مراجعة أكبر عدد من العوائق والتراخيص أمام كلّ الأنشطة الاقتصادية، كما سيعمل على تسهيل النفاذ الى منظومة الحوافز المالية والجبائية خاصة من خلال التخفيض في نسبة التمويل الذاتي المستوجبة للانتفاع بالحوافز ، من أجل غاية أساسية هي دفع المستثمرين وخاصة الشباب منهم إلى خلق الثروة والتّعويل على قدراتهم واستنهاض روح المبادرة لديهم.

كما أكد أن للحكومة استراتيجية واضحة للإصلاح ولتغيير منوال التنمية، من خلال إعادة النظر فيه لوضع البلاد على طريق النجاح وخلق الثروة الحقيقيّة، التي تتمثل في العقل التونسيّ المستنير والمنفتح على العالم وعلى التطوّر التكنولوجي والرقميّ، حيث أنه لا يمكن صناعة اقتصاد جديد بآليات وأدوات قديمة، مشددا على أن الرؤية التنمويّة يجب أن تتجسّد أوّلا في المجال الرقمي بمختلف مكوّناته وأبعاده، الذي يمثّل رافعة أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وخلق مواطن شغل.

وستواصل الحكومة العمل على تنفيذ المخطط الوطني الاستراتيجي “تونس الرقمية” كرافد للتّنمية، وكآلية فعالة لإحكام التصرف في الأزمات، حيث ساهمت الرقمنة في إيجاد الحلول الكفيلة لتأمين استمراريّة إسداء المرافق العموميّة في فترة انتشار فيروس كوفيد-19.

كما سيتم العمل وفق مقاربة تشاركيّة مع مختلف الفاعلين في مجال الرقمنة، من قطاع عام وخاص ومجتمع مدني، من أجل وضع استراتيجية وطنية للتحوّل الرّقمي 2021-2025 تهدف بالأساس إلى تحسين مساهمة القطاع في النّاتج المحلّي الإجمالي (4,3% في سنة 2019) ليبلغ 6 % في موفّى 2025 والتّرفيع في نسبة قيمته المضافة من مجموع الأنشطة المسوّقة.

الطاقة والفلاحة ركائز الاقتصاد الجديد

واعتبر رئيس الحكومة، أن الانتقال الطاقي يمثل ركيزة من ركائز الاقتصاد الجديد، حيث أنّه يعتبر عنصرا أساسيا للتنمية المستدامة والتطور الاقتصادي والاجتماعي وحماية البيئة والمحيط، مشيرا إلى أن الاستثمار سيكون في مشاريع إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة المبرمجة خلال الثلاث سنوات القادمة إحدى أهم الوسائل التي ستساهم في إنعاش اقتصادنا بشكل فعّال وستمكن الدولة من إسترجاع استقلاليتها الطاقية عبر الترفيع في نسبة الطاقات المتجددة في المزيج الكهربائي إلى 30% والتخفيض من الطلب على الطاقة بـ30% بحلول سنة 2030.


وأشار المشيشي، إلى أن القطاع الفلاحي بدوره يمثل ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الوطني، فإضافة إلى مساهمته المباشرة في تعزيز الأمن الغذائي، فهو يمثل مقوّما أساسيا من مقومات الإقلاع الاقتصادي، مؤكدا عزم حكومته على تطوير القطاع الفلاحي وتذليل كل العوائق التي تعرقل نموّه، من خلال حوكمة المنظومات الفلاحية ودعم قدراتها وتثمين منتجاتها، وتحسين مناخ الاستثمار والقدرة التنافسية للمنتجات الفلاحية في الأسواق المحلية والعالمية، وتعصيره عبر تيسير اكتساب التكنولوجيا الحديثة، إضافة إلى دعم التنظم المهني للفلاحين بما يكسبهم قدرة أكبر على الاستثمار والإنتاج ويحسن من مستويات عيشهم.

وشدد المشيشي على ضرورة الإنطلاق في مسار الإصلاحات في القطاع العمومي وتطوير جودة الخدمات العمومية، ليكون أداة للتيسير لا للتعسير وللتسريع لا للتعطيل، لافتا إلى أن الإجراءات الإستعراضية السابقة لم تساهم سوى في تعميق أزمة الإدارة العمومية وفي القضاء على كلّ روح للمبادرة صلبها ولدى كفاءاتها.

وستنطلق الحكومة في معالجة المشاكل الحقيقية للإدارة بتدعيم الرقمنة والحدّ من الإجراءات البيروقراطية، هدفنا من خلال ذلك الحدّ من نسبة الوثائق بنسبة 80 % من الحجم الإجمالي للوثائق الّتي تطلبها الإدارة في موفّى 2021، وفق رئيس الحكومة.

تخفيف عبء المؤسسات العمومية على الدولة

وحول وضعية المنشآت والمؤسّسات العمومية، وإصلاحها وإعادة النظر في حوكمتها، أكد رئيس الحكومة هشام المشيشي، أن ذلك من الأولويّات المستعجلة لحكومته، ولا وجود لخطوط حمراء في هذا المجال، مؤكدا أنه سيتم الشروع في عملية إصلاحها مع الأخذ بعين الاعتبار الوضعية الخصوصيّة لكلّ مؤسّسة ومنشأة على حدة، بالشراكة مع المنظّمات الوطنيّة وفي مقدّمتها الإتحاد العام التونسي للشغل وفق آليات حوار بنّاء ومسؤول، بما يسمح بتخفيف عبء المؤسسات العمومية على ميزانية الدّولة.

وفي هذا الإطار، سيتمّ إحداث وكالة وطنية تتولّى الإشراف على هذه المؤسسات ومراجعة حوكمتها وإحكام إدارتها بالإضافة إلى صيغ المصادقة على أعمال التصرف فيها وتعزيز متابعة مؤشراتها وتوجيه التدخلات لفائدتها بحيث تستعيد هذه المؤسسات دورها الاستراتيجي في معاضدة جهود الدّولة ودعم الاقتصاد الوطني وفق مبادئ الحوكمة الرشيدة والقيمة المضافة وخلق الثروة.

ترشيد منظومة الدّعم لمستحقيه

كما ستتناول الحكومة في الفترة القادمة مسألة ترشيد منظومة الدّعم وتوجيهه إلى مستحقّيه في إطار سياسة اجتماعية قوامها الإنصاف وتحسين المقدرة الشرائية للتونسي، وسيتم المرور أواخر السداسي الثاني من السنة الجارية من نظام دعم المواد إلى نظام دعم المداخيل، بما يمكن من تراجع معدّل الفقر بحوالي 25 %، وسيكون ذلك وفق رئيس الحكومة، بإصلاح منظومة الدعم بما يمكن أيضا من القضاء تدريجيا على ظاهرتي التّهريب واستعمال المواد المدعَّمة في غير أغراضها وتفادي التّبذير.

كما أشار المشيشي، إلى الشروع في تطوير رقمنة الدفوعات والتحصيل الحكومي بالشراكة مع البنك المركزي التونسي، من أجل تحقيق الشمول المالي والشفافية في المعاملات الحكومية ودمج جميع الأشخاص الذين لا تتوفر لديهم حسابات أو خدمات بنكية، في المنظومة المالية بشكل كبير ممّا يحسن جودة حياتهم، كما أن من بين أهداف هذه الحكومة، تحقيق الإدماج الرقمي من خلال مواصلة تطوير البنية التحتية وتعميم خدمات الانترنات ذات التدفق العالي في مختلف الجهات، وتحفيز التونسيين للانخراط في منظومة الخدمات الماليّة وخدمات الدفع الإلكتروني.