أعاد ملف القاضي المكّي بن عمار مسألة التعذيب داخل السجون التونسية إلى الواجهة، تساؤلات عديدة طرحت حول جدوى المنظمات الحقوقية والمعاهدات الدولية أمام مواصلة ممارسات التعذيب بشكل مهيكل ودون استثناءات لطبيعة القضايا أو صفة المساجين.

ترسانة التشريعات التي وضعتها تونس وانخراطها في اتفاقيات دوليّة لم يمنع المؤسسات السجنية التابعة لوزارة العدل ومراكز الإيقاف التابعة لوزارة الداخلية من القيام بممارسات “شنيعة” ضد أشخاص يقضون عقوبات سالبة للحرية سنحاول رصدها من خلال هذا التقرير.

عذاب نفسي

أحد الشبّان الذين تم إيقافهم مؤخرا في أحداث الاحتجاجات تحدّث لـ”JDD”، عن الأياّم التي قضاها في مركز الإيقاف ببوشوشة.
قال علي (إسم مستعار) إن عملية التعذيب انطلقت منذ صعوده سيارة الأمن حيث تداول الأعوان على صفعه على وجهه ورأسه وركله بأرجلهم وتعنيفه لفظيا والإصرار على إذلاله، حسب تعبيره.
وأكّد الشاب البالغ 21 سنة أنّ أعوان الأمن يقومون بعملية ممنهجة في تعذيب الموقوفين نفسيا من خلال إعلامهم باستمرار أن أمهاتهم تنتظر بالخارج لكن لن يُسمح لهن بالحصول على أي معلومات تخص أبناءهن وأنهن سيقضين الليل أمام أبواب مركز الإيقاف.
وتابع أنّه استشعر تلذذا من قبل الأعوان في إهانة كرامة الموقوفين حتى أن أحدهم عمد إلى حلق شعر أحد الشبان دون موجب، حسب روايته

ماء وخراطيم



أكّد الكاتب العام للفرع الجهوي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بالقيروان حمدي بالوافي لـ”JDD”، أنّ المنظمة الحقوقية وبفضل اتفاقية شراكة مع وزارة العدل تزور باستمرار السجون بصفة فجئية للاطلاع على وضعية السجناء.
ولاحظ بالوافي أنّ سجن القيروان مثلا يعاني اكتظاظا خانقا مما يجعله مكانا غير آمن خاصة في الظرف الصحي الحالي وفي بقية الأوقات لانتشار الجرب وغيره من الأمراض المعدية والسارية.
وكشف محدّثنا أن الرابطة رصدت خلال عام 2020، عشرات حالات التعذيب وسوء المعاملة مشيرا إلى أنّ هذه الإنتهاكات تكون أحيانا واضحة بسبب علامات التعنيف على أجساد المساجين ويصعب إثباتها في حالات أخرى.
وقال إنّ بعض أعوان السجون يعمدون إلى وضع المساجين في الحمامات ورشهم بالماء قبل ضربهم باستعمال خراطيم بلاستيكية إلى جانب العنف اللفظي المتكرّر والذي يصعب إثباته.
وأوضح أن فروع الرابطة تحرّر تقارير في الغرض وترسلها إلى وزارة العدل لاتخاذ الإجراءات اللاّزمة ضد الأعوان الذين يرتكبون هذه الممارسات الشنيعة وفق توصيفه.

“سيلون” لأربعة أشخاص


وكشفت عضو الرابطة التونسية للدفاع عن عن حقوق الإنسان بالمهدية نورهان صيود لـ”JDD”، أنّ كلمة السر في ملف التعذيب هي الإفلات من العقاب الذي أصبح سياسة تنتهجها الوزارات المعنية مما جعلها بمثابة الحصانة التي جعلت ممارسات بعض الأعوان تتكرّر.
وقالت إنّ فرع الرابطة عقد قبل سنة ندوة صحفية عرض خلالها شهادات لحالات التعذيب بمراكز الإيقاف مما دفع وزارة الداخلية للتدخل بتقديم وعود بمحاسبة مرتكبي التعذيب لكن إلى اليوم مازال الملف يراوح مكانه.
ومن بين هذه الحالات تحدثت صيود، عن شخص تعرّض للعنف الشديد وهو في حالة إيقاف بسجن المهدية وعند ورود إشعار الى الرابطة تحول وفد الى عين المكان لكن لم يجد الشخص المعني وقيل لهم إنه نقل إلى أحد سجون العاصمة لتلقي العلاج بسبب تعكر حالته الصحية وعدم قدرته على المشي لكن اللافت أن سجن المهدية لا يملك أي وثيقة تثبت مرور السجين أو إقامته به أو ملفا طبيا.
وتابعت أنه في إحدى الزيارات الفجئية تفاجأ وفد الرّابطة بوجود 4 أشخاص في غرفة السجن الإنفرادي والذي تبلغ مساحته أقل من مترين مربّع مشيرة إلى أنّه لا يمكنهم حتّى الوقوف جنبا إلى جنب داخل الغرفة.

حالات وفاة

وكشف تقرير سنوي للمنظمة التونسيّة لمناهضة التعذيب أنّ 5 أشخاص توفّوا تحت التعذيب بالسجون ومراكز الإيقاف سنة 2017 فيما سجلت 80 حالة تعذيب أغلبها بمراكز الشرطة بنسبة 35 في المائة تلتها السجون بنسبة 32 في المائة.
وتوزعت عمليات التعذيب بحسب صنف القضايا وفق التفصيل التالي، 22 في المائة في قضايا سرقة، و10 في المائة في قضايا المخدرات، و9 في المائة في قضايا عنف، و22 في المائة متهمين في قضايا إرهابية مقابل 9 في المائة لأسباب مجهولة.
وفي السياق ذاته، أفادت الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب أنها تلقت بين 2016 و2017، 104 إشعارات حول انتهاكات مسجلة بمراكز الإيواء
وأضافت أن الخارطة الجغرافية بينت بدورها أن ممارسات التعذيب والمعاملات القاسية والمهينة لا تزال منتشرة بكل الجهات وإن تفاوتت النسبة، مبيّنة أن أعلى نسبة إشعارات وقع تسجيلها في تونس الكبرى. وفسّرت أن عاملين يفسران هذا الارتفاع أولهما الكثافة السكانية في تونس الكبرى إضافة لوجود مقر الهيئة في العاصمة فقط دون وجود فروع جهوية تستقبل الإشعارات المتعلقة بادعاءات التعذيب.