مسار أشبه بالدائرة المغلقة مهما باعدت بين زوايها تبقيك أسيرا داخلها،خيط رفيع ،في اللغة،يفصل العصا عن العصيان لكنه ينتج هوة في الواقع، هي تلك التي تحكم العلاقة الأبدية بين الحاكم والمحكوم، بين الشعب والسلطة.
في تونس،منذ الاستقلال وإلى الآن، لاتزال علاقة المواطن برجل الأمن تعيش فترات تطبعت في غالبيتها ظلما وظلمات رغم محاولات، من هنا وهناك، على شحها لتغييرها علّها تدحض مقولة أن يكون رجل الأمن اليد العليا للسلطة لإنفاذ قانون يقدّ غالبا على المقاس لحماية الحكام من غضب المحكومين بدل إعمال العدل بين الجميع تحقيقا للشعار الحاضر الغائب “الشرطة في خدمة الشعب”.
نقابة الأمن :لسنا طرفا في الصراع
اعتبر وسيم المحمودي المكلف بالاعلام لنقابة الامن الداخلي في تصريح لـ”JDD”،أن الأمنيين يتعاملون مع الاحتجاجات على قاعدة تطبيق القانون مضيفا “بالنسبة لنا نحن أمن جمهوري،قوامه تنفيذ القانون والدستور،أوكلت لنا السلطة التنفيذية تطبيق القانون، ولسنا معنيين بالتجاذبات السياسية ولسنا طرفا في الصراع”
وذكّر المحمودي أن القوات الأمنية أمنت مختلف الاحتجاجات حتى تلك التي كانت ضد الأمنيين على غرار تحركات القضاة والتحركات ضد تمرير قانون زجر الاعتداء على الأمنيين.
وعودة على التحركات الأخيرة، اكّد المحمودي أن البلاد في حالة حجر صحي موجه يمنع فيه تجمع أكثر من شخصين، لذلك تم ّ منع التحركات الاحتجاجية مضيفا ” تمّ اتخاذ التعزيزات الأمنية الأخيرة التي حصلت أمام البرلمان يوم تمرير التعديل الوزاري، خوفا من ان يحصل اعتداء على مجلس نواب الشعب أو على النواب،وكان التعزيز الأمني من باب الاحتياط”.
لا اعتقال دون علم النيابة العمومية
اكدّ المحمودي أنه وبحكم القانون عدد 5 الجديد المعني بالاحتفاظ فإن النيابة العمومية وحدها من تأمر بالاعتقال موضحا ” نحن كقوات أمنية، من أقل رتبة فينا الى وزير الداخلية،لا سلطة لنا لايقاف اي شخص، النيابة العمومية هي من تقوم بإصدار أوامر الإيقاف ونحن كسلطة تنفيذية محمول علينا التنفيذ”.
جمعية القضاة : تعاطي أمني مرفوض
شدد المكتب التنفيذي لـجمعية القضاة التونسيين على أن التعاطي الأمني مع الاحتجاجات المشروعة مرفوض وعلى انه لا يمكن أن يمثل حلا للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والصحية التي يعاني منها التونسيون محذرا من استعمال القوة والافراط في ذلك لقمع حق المواطنين في الاحتجاج على أوضاعهم المتردية والاستعاضة عن ذلك بإيجاد الحلول الحقيقية للأزمات العديدة التي تعاني منها البلاد.
واكدت الجمعية في بيان صادر عنها اليوم الخميس 28 جانفي 2021،على أن مقتضيات الأداء السليم للأمن الجمهوري توجب حفظ الأمن دون التعدي على الحقوق والحريات ودون انتهاكها مذكرة بان التجاوز في ذلك موجب للمساءلة، مؤكدة مساندتها لحق المحتجين الدستوري في التظاهر والتعبير السلميين رفضا منهم لواقع الفقر والحرمان من الشغل وحالة التهميش التي تعاني منها عديد الجهات والأحياء بالبلاد مشددة على شرعية مطالب المحتجين في تغيير تلك الأوضاع وتحقيق العدالة الاجتماعية معبرة عن عميق اسفها لوفاة الشاب هيكل الراشدي في خضم الاحتجاجات على واقع الفقر والتهميش والحرمان من العدالة الاجتماعية متقدمة لأسرته بأصدق التعازي.
وشددّت على رفضها كل أعمال التخريب والعنف منبهة من خطورة استغلال سياق الاحتجاجات السلمية المشروعة لممارسة أعمال نهب وتخريب مؤسسات الدولة والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة داعية المحتجين إلى التمسك بسلمية تحركاتهم، مؤكدة على أهمية الدور المتوازن للقضاء في مثل هذه الأزمات في حماية الحقوق والحريات الفردية والعامة من كل الانتهاكات والاعتداءات والتصدي لأعمال التخريب والنهب والاعتداء على المؤسسات والأملاك الخاصة والعامة في كنف احترام الإجراءات القانونية وكفالة ضمانات المحاكمة العادلة.
هيئة الوقاية من التعذيب: وثّقنا انتهاكات خطيرة بالجملة
وأعلنت الهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب ،الخميس 28 جانفي 2021،انها تمكّنت من توثيق عدّة انتهاكات قالت انها موضوع تقصّ معمّق في الحالات الفرديّة من قبلها لافتة الى بعض الصّعوبات التي واجهتها أثناء الزّيارات.
وأشارت الهيئة في بيان صادر عنها إلى أن فرق الزيارة التابعة لها والمتكوّنة من أعضائها أدت عدة زّيارات لأماكن الاحتجاز لمتابعة الإيقافات المتعلّقة بالأحداث التي شهدتها البلاد منذ يوم 14 جانفي الجاري، لافتة إلى أنها ستصدر تقريرا شاملا لكل أعمال الرّقابة والتقصي المنجزة حال الانتهاء من استكمال المتابعات للأحداث الجارية مؤكدة خطورة الانتهاكات المرصودة التي قالت إنها تسببت في أضرار بدنيّة وانه نتجت عن بعضها حالة وفاة .
اعتداءات بالعنف على المحتفظ بهم
أوضحت الهيئة أنها طلبت من كل السّلط العموميّة المعنيّة اتّخاذ الإجراءات الاستعجاليّة المتمثلة في فتح التحقيقات الإداريّة والقضائيّة ضدّ كلّ من يشتبه في ممارستهم اعتداءات بالعنف على المحتفظ بهم في خارج حالات السّيطرة عليهم عند الإيقاف والمنع المطلق لاستعمال أية أدوات غير نظامية (عصيّ بايزبول، خراطيم بلاستيكيّة، مغلّفات أسلاك كهربائيّة…) وغير مدرجة رسميّا ضمن تجهيزات العمل المسلّمة للموظفين المكلّفين.
وشددّت الهيئة على ضرورة إنفاذ القانون ووضع كلّ الإمكانيات اللّازمة على ذمّة غرف الاحتفاظ للقيام بالتعقيم اليومي لفضاءات الاحتفاظ وتوفير مستلزمات النظافة وحفظ الصحّة والتوقي من العدوى الوبائيّة للمحتفظ بهم وللموظفين وفرض التزام الموظفين العاملين بغرف الاحتفاظ بحمل الكمامات بعد توفيرها لهم وفرض الالتزام التامّ بضمانات الاحتفاظ الأساسيّة من قبل أعوان إنفاذ القانون وخاصّة منها الحق في حضور محام وإعلام العائلة وعدم الإجبار على التوقيع على محاضر البحث والسّماح بالاطلاع عليها قبل التوقيع والاستجابة دون مماطلة لطلب العرض على الفحص الطبّي وفرض تطبيق القانون الوطني والدّولي الخاصّ بمعاملة الأطفال والالتزام بالإجراءات والضّمانات المنصوص عليها في مجلّة حماية الطفل،ومراجعة منظومة إرشاد العائلات داخل المحكمة باعتبار تأخّر وأحيانا غياب معرفة مكان وجود أحد أفراد العائلة والإجراء المتّخذ ضدّه.
منظمة العفو الدولية تدعو إلى التحقيق في وفاة الشاب هيكل الراشدي
ودعا فرع تونس لمنظمة العفو الدولية،السلطات التونسية إلى”إجراء تحقيق شامل ونزيه في وفاة شاب، وإصابة شخص آخر بجروح خطيرة، إثر أنباء تفيد بإصابتهما بقنابل الغاز المسيل للدموع في مدينة سبيطلة (ولاية القصرين)، خلال الاحتجاجات الأخيرة”، مطالبا أيضا السلطات “بإصدار تعليمات لقواتها الأمنية بعدم استخدام الغاز المسيل للدموع بشكل عشوائي”.
ونقل بيان صادر الخميس 28 جانفي 2021 عن المنظمة،عن أقارب هيكل الراشدي وأيمن المحمودي، البالغين من العمر 21 عاماً، تأكيدهم أن الشابين اللذين أصيبا ليلة 18 جانفي بجروح في الرأس، قد أخبرا أقاربهما بأنهما أصيبا في الرأس بعبوات الغاز المسيل للدموع التي أطلقتها شرطة مكافحة الشغب من مسافة قريبة.
وقالت آمنة القلالي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “يجب التحقيق، بشكل سريع ونزيه وفعّال، في الوفاة المأساوية لهيكل الراشدي.. ويجب أن يشمل التحقيق مقابلات مع الشهود، وفحصاً طبياً شرعياً مستقلاً، ويجب أن يُقدّم المسؤولون عن مقتله للعدالة”.
وقد توفي هيكل الراشدي في وقت لاحق متأثرا بجراحه يوم 25 جانفي، في حين خضع أيمن المحمودي لعملية جراحية في الوجه لعلاج إصابات العظام.