صحيفة الأحد – Jdd Tunisie

الإحباط يخنق التونسيين.. والحلّ…

إن ما نشهده اليوم من أزمات إقتصادية وإجتماعية تعمقت جراء تداعيات تفشي فيروس كورونا في تونس، له علاقة مباشرة بالحالة النفسية والإجتماعية التي يعيشها التونسي، حيث لم تعد حالة الإحباط واليأس في تونس مجرّد حالة نفسية يعيشها الفرد فقط، بل أصبحنا نتحدث عن يأس مجتمعي فرضه واقع سياسي واجتماعي واقتصادي متردّ، جراء غياب مطلب أساسي لا تستقيم الحياة دونه وهو الأمل والثقة.

ولعل جميع الأطراف المتداخلة لعبت دورا هاما في دفع التونسيين نحو هذا المشكل، وبالتالي فهي تتحمل مسؤولية غياب الأمل وتكريس الثقافات المدمرة كاليأس والإحباط، بالتدرج من المحيط العائلي للمواطن التونسي مرورا بالوسط التربوي ومقرات العمل وصولا إلى دور الإعلام، السياسيين والدولة.

التّونسي… قنبلة موقوتة

وطفت حالة الإحباط و اليأس التي يعيشها التونسي على السطح خلال التحركات الاحتجاجية الأخيرة التي شهدتها البلاد ، وما تبعها من أعمال عنف وتخريب وردّ فعل عنيف من قبل شبّان تراوحت أعمارهم بين 15 و25 عاما، مما يفسر تحول التونسي إلى قنبلة موقوتة قابلة للإنفجار في أي لحظة، لذلك أصبح البحث عن حلول لهذه الأزمة ضرورة، وهو ما أقر به الأستاذ في علم الإجتماع سامي نصر، في تصريح لـ”JDD”، أمس الجمعة 22 جانفي 2021، الذي أكد أن تونس اليوم تجني ثمار ”غياب إستراتيجية وطنية لإعادة الثقة والأمل”، نظرا لتفشي الثقافات المدمرة عوضا عن الثقافات المكملة التي تفيد المجتمعات، بدليل الإحتجاجات الأخيرة، حيث أصبح المواطن التونسي يعيش حالة تطبيع مع اليأس والإحباط ويحمل شحنة مكبوتة تجعله يستعمل العنف متى سنحت له الفرصة، نتيجة عدة عوامل متداخلة، لذلك نحن بحاجة ملحة إلى إستراتيجية لإعادة الأمل تشارك فيها مختلف الأطراف بدءً من العائلة وصولا إلى الدولة.

كيف خلقت ثقافة الإحباط واليأس؟

إن تفشي ثقافة اليأس خلال الفترة الأخيرة ناجم أساسا على عدة عوامل، فسرها المختص في علم الإجتماع في غياب دور العائلة في بعث الأمل في أبنائها من خلال غياب التواصل وعدم الثقة بهم، حيث أكد أن الولي اليوم مطالب بإعادة الأمل لأبنائه مثلما هو الشأن بالنسبة لتوفير الضروريات الحياتية كالقوت والأمان، كما هو مطالب بالقطع مع ثقافة ”تقرا ولا ما تقراش المستقبل ما فماش” التي ساهمت في تفشي ظواهر إجتماعية خطيرة على غرار الانقطاع المبكر عن الدراسة واستهلاك المخدرات والتدخين في سن مبكرة وتفشي ظاهرة الهجرة السرية.

وأشار المتحدث إلى أن الدور التربوي أيضا هام لإعادة خلق الأمل لدى التونسيين خاصة وأن التلاميذ يقضون أوقاتا مع المربين أكثر من الفترة التي يقضونها رفقة أوليائهم وهو ما يفسر أهمية الرسالة التربوية في تشكيل الحالة النفسية للفرد والمجموعة وإحتواء حالات الإحباط ومعالجتها بإعادة الأمل.

كما تمثل المؤسسات والشركات وأماكن العمل حلقة ضرورية في إستراتيجية إعادة الأمل ، حيث أن أرباب العمل مطالبون بخلق الأمل في نفوس موظفيهم لانتشالهم من براثن الإحباط.

كما أكد المتحدث على دور المؤسسات الإعلامية في خلق ثقافة الأمل مشددا على ضرورة القطع مع ثقافة ”الإثارة” والتصدي لليأس عبر رسائل إعلامية هادفة ومبنية أساسا على إعادة الثقة والأمل إلى متابعيها أو مشاهديها.

من جهة أخرى، لفت الأستاذ في علم الإجتماع، إلى أن الأزمة الإتصالية للحكومة ساهمت في خلق التعاسة وتنامي حالة الإحباط في صفوف التونسيين، حيث أنها لم تعرف كيف تسوق لمؤشراتها حول التنمية والتشغيل وغيرها من المواضيع التي تهم التونسيين ، مبينا أن إصلاح هذه الأزمة الاتصالية قادر على إنقاذ البلاد.

سياسيون عمّقوا حالة الإحباط لدى التونسيين

واعتبر المختص، أن السياسيين اليوم ساهموا في تعميق الإحباط لدى الشعب التونسي عوضا عن بعث الأمل والتفاؤل، من خلال إعادة انتاج ما قال إنه ظاهرة إجتماعية وسياسية لشخصية ”القصّاص”، النائب بالمجلس التأسيسي الذي عرف بثقافة “الإثارة” في مواقفه، وتتجلى إعادة هذه الظاهرة خاصة في شخصيات النواب بالبرلمان سامية عبو وفيصل التبيني وسيف الدين مخلوف، مشيرا إلى أن ما يقوم به هؤلاء ساهم في ترذيل مجلس النواب ودفع الناس لكرهه.

وشدد سامي نصر على ضرورة إعلان مؤتمر وطني لإعادة الأمل لا يقتصر فقط على مجرد شعارات، وإنما يكون بالفعل والتنفيذ من خلال عقد ورشات تتضمن مختلف الأطراف المتداخلة من أجل بعث الأمل والقضاء على الإحباط، كما يجب على هذا المؤتمر أن يخرج بجملة من التوصيات التي ستقوم عليها الإستراتيجية الوطنية لإعادة الأمل، مشيرا إلى أن تونس قادرة على بعث هذه الإستراتيجية في ظرف أقل من أسبوع في صورة توفر الإرادة السياسية.

الخروج من نسخة الهاتف المحمول