A la une
تشريح الأزمة الهيكلية: الاتحاد العام التونسي للشغل في مواجهة مشروع الدولة الرئاسية (2021-2025)

شكّل الاتحاد العام التونسي للشغل منذ تأسيسه عام 1946 عموداً فقرياً في المشهد السياسي والاجتماعي، لكن العلاقة بينه وبين السلطة شهدت تحولاً جذرياً بعد 25 يوليو 2021. فبينما كان الاتحاد شريكاً أساسياً في مرحلة ما بعد الثورة (2011)، تحوّل إلى “عدو رئيسي” لنظام قيس سعيّد الذي رأى فيه تهديداً لسلطته المطلقة. هذا التحوّل لم يكن مفاجئاً، بل نتاج تراكمي لسياسات منهجية هدفت إلى تفكيك أي كيان قادر على تنظيم المقاومة الجماعية .
أحداث الأزمة الأخيرة: من الإضرابات إلى المواجهة المباشرة
إضراب أوت 2025: شلّ إضراب قطاع النقل – الذي دعت إليه الجامعة العامة للنقل – البلاد لمدة 3 أيام، كردّ على تجاهل الحكومة لمطالب تحسين الأجور وظروف العمل.
هجوم 7 أوت: نظّم أنصار الرئيس مسيرة أمام المقر المركزي للاتحاد تحت شعار “الشعب يريد تجميد الاتحاد”، في مشهد وصفه المراقبون بمحاولة لخلق شرعية شعبية مزيفة لقمع النقابة .
الخطاب الرئاسي (8 أوت): وصف سعيّد قيادات الاتحاد بأنهم “نخبة فاسدة” تتجاهل معاناة الشعب، مُحمّلاً إياهم مسؤولية الأزمات الاقتصادية، في إستراتيجية واضحة لتحويل الغضب الشعبي من فشل السياسات الحكومية إلى النقابة.
موازين القوة: هشاشة في مواجهة آلة الدولة
المعيار | السلطة | الاتحاد |
---|---|---|
الدعم الشعبي | تحشيد “أنصار المسار” | تراجع بسبب الانقسامات الداخلية ودعمه المبكر لـ25 جويلية |
الأدوات القانونية | تفكيك القضاء المستقل | الإضرابات والضغط الجماهيري |
التماسك | مركزية القرار (سلطة رئاسية) | انقسام قيادي (مجموعة “الخمسة” ضد الأمين العام) |
الاتحاد يواجه أزمة وجودية مزدوجة: خارجياً تحت ضربات السلطة الممنهجة، وداخلياً بسبب انقسام قيادته حول شرعية الأمين العام نور الدين الطبوبي ورفضه عقد المؤتمر الانتخابي. كما أن تحوّل الاقتصاد نحو “الهشاشة الرقمية” (عمال المنصات) أفقد الاتحاد جزءاً من قاعدته التقليدية.
قراءة في بيان 11 أوت: خطاب المقاومة الأخير
أصدرت الهيئة الإدارية للاتحاد بياناً تاريخياً:
- اتهام السلطة بتعمد “تسميم المناخ السياسي” عبر خطاب تحريضي يهدف لتفتيت الوحدة النقابية.
- رفض تسييس الملفات الاجتماعية مثل تعديل مجلة الشغل وصندوق البطالة دون مشورة النقابة.
- تحذير من محاولة تفكيك آخر مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة بعد تفريغ البرلمان والقضاء من مضمونهما .
البيان يمثل محاولة يائسة لإعادة توحيد الصفوف، لكنه يعكس عجز البيروقراطية النقابية عن تقديم آليات فعلية للمواجهة.
الأزمة مع الاتحاد جزء من حملة أوسع:
المحاكمات الجماعية: محاكمة 40 معارضاً بتهم “التآمر” في إجراءات وصفها حقوقيون بأنها “مسرحية قضائية” .
اعتقال رموز المعارضة: مثل الحكم على راشد الغنوشي (83 عاماً) بـ22 سنة سجن في قضية “انستالينغو” ، واستهداف شخصيات مثل رضا بلحاج وغازي الشواشي وعصام الشابي و عبير موسى وجوهر بن مبارك …
تفكيك السلطة القضائية: إقالة 57 قاضياً عام 2022 واستبدال المجلس الأعلى للقضاء بهيئة خاضعة للرئاسة .
التوقعات: ثلاثة سيناريوهات محتملة
تصعيد القمع (السيناريو المرجح):
استخدام الإضراب القادم لنقابة التعليم (سبتمبر 2025) ذريعة لحل الاتحاد عبر أحكام قضائية.
تصعيد الخطاب التحريضي لتحويل الاتحاد إلى “عدو داخلي”.
انفجار الشارع:
تحوّل الاحتجاجات النقابية إلى انتفاضة شعبية مع تفاقم الأزمة الاقتصادية (بطالة 18%، تضخم 12%).
تحالف غير مسبوق بين الاتحاد وقوى المعارضة العلمانية والإسلامية.
تفكك الاتحاد:
انقسامه إلى كيانات جهوية أو قطاعية بعد تجميد أنشطته.
معركة وجود في زمن الانهيار
الصراع بين السلطة والاتحاد ليس مجرد خلاف سياسي، بل هو:
اختبار لمصير الديمقراطية التونسية: فالاتحاد يمثل آخر مؤسسة قادرة على تنظيم المقاومة الشعبية بعد تفكيك البرلمان والقضاء .
صراع بين مشروعين: دولة القانون والمؤسسات التي ناضل من أجلها الثوار، مقابل نظام رئاسي مطلق يكرّس السلطة الفردية.
إنذار أخير: كما حذّر المنصف المرزوقي، فإن “الخلطة المتفجرة” التي أدت لثورة 2011 تتجدد اليوم بفعل القمع والانهيار الاقتصادي .
“السجون لا تستطيع أن تسجن الأفكار”
لكن السؤال الأكبر: هل يستطيع الاتحاد، وهو يعاني من الشيخوخة البيروقراطية والانقسامات، أن يكون قاطرة التغيير التي يحتاجها التونسيون؟ الجواب قد يُحدد مصير تونس كـ”دولة” أو مجرد “أرشيف” لديمقراطية عربية لم تكتمل.
-
A la une4 أشهر ago
القضاء يأذن بالتحقيق في وفاة الطبيب زكرياء بوقرة
-
A la une5 أشهر ago
حتى لا يعود الأخوان !
-
A la une4 أشهر ago
تونس: أحكام بالسجن تصل إلى 66 عاماً في قضية “التآمر على أمن الدولة”
-
A la une4 أشهر ago
جبهة الخلاص الوطني تنظّم وقفة احتجاجية للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين
-
A la une5 أشهر ago
المعارضة الضعيفة لا تعني السلطة القوية: محاولة في فهم المشهد السياسي الراهن
-
A la une5 أشهر ago
أفريقيا.. هل تصبح سلة غذاء العالم؟
-
A la une4 أشهر ago
السلطات التونسية تمنع تظاهرة حول “المحاكمة العادلة” بدعوى الترخيص
-
الأخبار5 أشهر ago
أزمة الاتحاد العام التونسي للشغل والسلطة: صراع يؤجج الأزمات ويُعقّد المشهد السياسي