A la une
تونس: قصة وطن لا يخشى الاختلاف

في بلدة أندلسية، تعدُ من أقدم المدن الأندلسية في المغرب العربي تحمل قديما في عهد الرومان إسم تيشيلا و حديثا يطلق عليها تستور … لجأ إليها قديما عشرات الالاف من مسلمي الأندلس حيث أسس جزء منهم هذه المدينة التونسية المتاخمة لوادي مجردة ،في ،ربوع الشمال الغربي التونسي الخصب بخيرات الطبيعة وأشجار الزيتون والرمان والمياه العذبة.
في هذا المكان الذي عندما تطأه تشعر أنك في حضرة تاريخ ومجد خاصة عند تأمل الجامع الكبير الذي يحتوى على زخارف عربية و كلمات عبرية، والنجمة السداسية، بل تذهل عند التعمق في ساعة تستور المعكوسة التي صممها مهندس أندلسي قبل 4قرون لتحكي محنة المورسكيين مع البطش والتسلط.
بلدة صغيرة… وانسانية كبيرة
في هذه البلدة الصغيرة التي تبعد فقط عشرات الكيلومترات عن العاصمة التونسية تتقاطع طرق الكثير من الناس من مختلف الديانات والعادات، ولعل أكثر النساء الاتي عايشن كل الفترات والأزمنة والحياة في حارة اليهود هي العمة حليمة طالب أحمد سيدة مسلمة في العقد الثامن من عمرها تصنع البهارات التونسية الأصيلة في بيت أهلها الذي لم تغادره منذ نعومة أظافرها، لم يتسنى للعمة حليمة الزواج، لكنها تعرف نفسها بأنها جدة كل من في البلدة بشتى اختلافاتهم.
ليني هولندية مسيحية بروتستانت متزوجة من تونسي منذ أكثر من خمسين سنة وام لأربعة ثلاث بنات وولد قررت الاستقرار في البلدة منذ زواجها، وليني هي الصديقة المقربة للعمة حليمة لا يخلو صباح احداهن دون شرب فنجان قهوة سويا.
ما يجمع العمة حليمة بليني، لا يختزل في الجوار أو النسب، بل في علاقة إنسانية عميقة، مبنية على الاحترام والتفاهم والتنوع الذي يُشكل جوهر بلدة تستور
الدين لله والوطن للجميع…
تقول العمة حليمة وهي تعد طبق الملوخية التونسية الشهية على الطريقة التونسية التقليدية، : أنا أصلي الخمس صلوات يوميا، وأزور مكة سنويا، وليني هي اختي وصديقتي وكاتمة أسراري، لا تصلي مثلي لكن قلبها طيب يسع كل هذا العالم، ونيتها أبيض من ياسمين تونس.
وتضيف العمة حليمة على ايامي لم تكن مسألة الدين مطروحة، فقد عشت كل طفولتي في حارة اليهود ونحن العائلة الوحيدة المسلمة وكنا نتشارك معهم أعيادهم و يتشاركون معانا اعيادنا وكلنا تونسيين لا فرق بيننا، الدين لله يا ابنتي والوطن للجميع.
تغزو ابتسامة لطيفة وهادئة وجه ليني وتقول بلهجة تونسية مختلطة بكلمات غير مفهومة ولكنها هادئة ودافئة:” حليمة علمتني أبجديات الطبخ التونسي، مثل الكسكسي بالعصبان في العيد الكبير، وحلويات العيد التونسية، وأنا علمتها كلمات باللغة الهولندية، وتتابع ليني :” لم أحس يوما أنني غريبة في تستور بل أحس بالانتماء.
هذا النقاش المتكرر يوميا بين الصديقتين، لا ينضب من الحس الإنساني الذي يجمع بين مسلمة محجبة، ومسيحية أوروبية، يربطهما بعد إنساني، وعيش مشترك وتشارك في التفاصيل والحياة اليومية، في بلدة صغيرة، ببلد عرف دوما بانفتاحه على الآخر المختلف، وتعدد الآراء والأفكار و المشارب
صداقة تستند للمعطى الإنساني
بعيدا عن الشمال الغربي وتستور بمئات الكيلومترات، وفي جزيرة جربة الواقعة جنوب شرق تونس والتي يطلق عليها التونسيون اسم “جزيرة الاحلام” والتي تستقبل سنويا آلافا من يهود العالم والتونسيين.
في مقهى غير بعيد عن حارة اليهود بجربة يجلس أمين شاب ثلاثيني، يرتدي قميصا لفريقه المفضل الترجي الرياضي التونسي ونتبادل أطراف الحديث مع شريكه في العمل في تجارة الذهب ألون حدوق، تونسي يهودي مستقر بجربة ومالك لمحل لبيع الذهب والمجوهرات الثمينة في سوق جربة.
: ألون ليس شريكي في العمل والتجارة فقط، بل هو رفيق الصدمات في الحياة كلما ضاقت بيا الحياة لجأت إليه، فيكون ناصحا وسندا وبنيانا مرصوص يقول أمين.
أوقات الأزمات، تظهر بعض الأصوات المتشددة
بضحكة بسيطة يجيب ألون أمين بل أنت هو صديق المحن، خاصة بعد الهجوم الذي كاد أن يودي بحياتي لولا وجودك في اللحظات الحاسمة إلى جانبي، كنت في عداد المفقودين، هجوم من مجرم عنصري مارق عن القانون حاول ذبحي بسكين، لولا تدخل أمين في اللحظات الحاسمة، علل المجرم هجومه بتعلة أنني يهودي وإنني صهيوني وجب قتلي والحال أنني لا أملك أي جنسية غير الجنسية التونسية فقط دون سواها، بنظرة حزينة أضاف ألون صحيح أنه لا ينظر لنا كيهود، والجميع يعرفنا فقط بأسامينا لكن هناك حوادث تقع أحيانا مثل الحادث الذي وقع لي ولولا وجود صديقي وأخي أمين لكان الوضع خطير جدا.
تقول حذامي فتاة عشرينية تقطن في نفس حي العمة حليمة وليني:” اكتسبت من عمتي حليمة التسامح والإيثار، ومن ليني الابتسامة، وتضيف حذامي نحن اليوم جيل يعيش بين ثقافات مختلفة وما احوجنا للعودة إلى أصلتنا في العيش المشترك وقبول الاخر بشتى اختلافته.
تقول العمة حليمة:” الدين هو علاقة الفرد بربه، وليست رياء..”
من جانبها تقول ليني:” أحيانا في الشارع يسألوني لماذا انت في تونس، أو أحيانا يقولون لي عودي لبلدك أفضل، لكني أشعر أنني تونسية أكثر من بعض التونسيين.
أما ألون فيعتبر أنه تونسي أولا وأخيرا، وأن الدين لا يجب أن يكون عثرة في طريق التعايش السلمي وقبول الآخر.
قصة العمة حليمة، ليني، ألون وأمين، ليست مجرد تفاصيل صغيرة في بلد، بل هي أعمق وأشمل، هي ثقافة تسامح أولا فمرحبا بكل العالم في تونس بلد التسامح والتعدد، وكل من يؤمن بقيم الجمهورية والإنسان، البلد الذي يرحب بكل الأفكار شرط إحترام البلد والشعب.
ايمان الوسلاتي
تحت إشراف منظمة كايسيد
برنامج الصحافة للحوار
-
A la uneشهرين ago
حان الوقت لتنقيح مجلة الأحوال الشخصية.. مقترحات عملية
-
A la une6 أشهر ago
القضاء يأذن بالتحقيق في وفاة الطبيب زكرياء بوقرة
-
A la une7 أشهر ago
حتى لا يعود الأخوان !
-
A la une6 أشهر ago
تونس: أحكام بالسجن تصل إلى 66 عاماً في قضية “التآمر على أمن الدولة”
-
A la une6 أشهر ago
جبهة الخلاص الوطني تنظّم وقفة احتجاجية للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين
-
A la une6 أشهر ago
المعارضة الضعيفة لا تعني السلطة القوية: محاولة في فهم المشهد السياسي الراهن
-
A la uneشهر واحد ago
دائرة الاتهام تحيل برهان بسيس ومراد الزغيدي على الدائرة الجنائية بمحكمة تونس
-
A la uneشهرين ago
هويدا ساكري: تونسية صوت فلسطين في سويسرا