Connect with us

A la une

تونس بين سياسات الهجرة الصارمة ومعاناة المهاجرين الأفارقة: أزمة إنسانية تبحث عن حلول

Published

on

رجل يجلس بينما يتجمع المهاجرون في منطقة صحراوية على الجانب الليبي من الحدود التونسية الليبية يوم الأحد 23 يوليو 2023. قامت قوات الأمن التونسية بإلقاء مئات المهاجرين في المنطقة القاحلة منذ شهر جويلية الماضي، على الرغم من نقل بعضهم إلى مناطق أخرى من تونس، وفقًا للهلال الأحمر. وعثرت قوات حرس الحدود الليبية على عشرات المجموعات من النساء والأطفال والعائلات العالقين في درجات حرارة الصيف الحارقة دون ماء منذ جويلية.

في ظل تصاعد أزمة الهجرة غير النظامية، نفذت السلطات التونسية مؤخراً عملية أمنية واسعة أسفرت عن تفكيك مخيمات عشوائية كانت تأوي آلاف المهاجرين الأفارقة جنوب البلاد. هذه الإجراءات التي رافقتها عمليات ترحيل قسرية، أثارت جدلاً واسعاً حول التوازن بين السيادة الأمنية للدولة وضرورة حماية حقوق الإنسان.

فقد أكدت مصادر أمنية نقلتها وكالة رويترز أن قوات الأمن التونسية دعمتها وحدات طبية وفرق الحماية المدنية في عملية تفكيك مخيمات بمنطقة العامرة التابعة لولاية صفاقس، حيث تم إجلاء ما يقارب 7 آلاف مهاجر غير نظامي من دول أفريقيا جنوب الصحراء. وأشار المسؤولون إلى أن العملية شملت اعتقالات لبعض المهاجرين المتورطين في أعمال عنف، مع بدء عمليات ترحيل قسري إلى بلدانهم الأصلية بالإضافة إلى تنظيم عودة طوعية لآخرين.

هذه الإجراءات تأتي في سياق مواجهة تونس لأزمة هجرة غير مسبوقة، حيث تحولت البلاد إلى نقطة عبور رئيسية للآلاف من الأفارقة الباحثين عن طريق إلى أوروبا. النائب البرلماني عن صفاقس طارق مهدي كشف عن وجود ما يقارب 20 ألف مهاجر غير نظامي في منطقتي العامرة وجبنيانة، معبراً عن قلقه من تسجيل 6 آلاف حالة ولادة بين صفوف المهاجرات خلال فترة زمنية قصيرة، وهو ما يزيد من تعقيد الأزمة.

في أعقاب عملية التفكيك، تم نقل المهاجرين إلى أراضٍ تابعة للدولة، من بينها منطقة “هنشير السريس” الزراعية المعروفة بإنتاج الزيتون. وقد نفى النائب مهدي ما تردد عن نية توزيع المهاجرين على مختلف ولايات البلاد، مؤكداً أن الحلول الحالية تقتصر على توفير مواقع تحت الرقابة الأمنية، مع الاعتراف بصعوبة إيجاد حلول سريعة لهذه الأزمة الإنسانية المعقدة.

في سياق متصل، كشف تقرير صادر عن مركز بروكسل الدولي (BIC) عن معاناة يومية يعيشها المهاجرون الأفارقة في تونس، حيث يواجهون سلسلة من التحديات المنهجية تبدأ من صعوبة الاندماج في سوق العمل بسبب سياسة “الأولوية للتونسيين”، مروراً بالتمييز العنصري، ووصولاً إلى انعدام الضمانات الصحية الأساسية. وأظهرت الإحصاءات أن المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء لم يحصلوا سوى على 4% من إجمالي تصاريح العمل الممنوحة للأجانب عام 2017، مقارنة بنسبة 40% لمواطني دول أوروبا الغربية.

وفيما يتعلق بالتمييز العنصري، أشار التقرير إلى أن القانون الصادر عام 2018 لمكافحة جميع أشكال التمييز العنصري يبقى غير فعال بالنسبة للمهاجرين غير النظاميين. وقد كشفت دراسة ميدانية أجراها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية FTDES أن 89.6% من المهاجرين الأفارقة تعرضوا للشتائم، بينما تعرض 33.9% منهم للعنف الجسدي، ناهيك عن ظروف السكن المتردية والإيجارات المبالغ فيها التي يعانون منها.

أما على الصحة الصحي، فإن غياب النصوص القانونية التي تضمن حق المهاجرين في الرعاية الصحية، إضافة إلى عدم توفير المعلومات بلغات متعددة خلال جائحة كوفيد-19، قد زاد من معاناتهم. وقد تجلت هذه المعاناة في عدة احتجاجات، أبرزها إضراب عن الطعام قام به نزلاء مركز الإيواء بالقردان عام 2020 احتجاجاً على سوء الظروف المعيشية وعدم توفر الرعاية الصحية الكافية.

في مواجهة هذه التحديات، قدم مركز بروكسل الدولي مجموعة من التوصيات التي تشمل إصلاح سياسات منح تصاريح العمل، وإنشاء وحدات شرطية متخصصة لتلقي شكاوى المهاجرين، وإدراج الحق في الرعاية الصحية ضمن الدستور التونسي، وتعزيز التعاون بين الحكومة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية للدول الأفريقية.

تبقى أزمة المهاجرين الأفارقة في تونس اختباراً حقيقياً لقدرة البلاد على الموازنة بين متطلبات الأمن الوطني وضرورات الحماية الإنسانية. ففي الوقت الذي تسعى فيه السلطات إلى ضبط الحدود ومواجهة الهجرة غير النظامية، تبرز الحاجة إلى معالجة جذرية للأسباب العميقة لهذه الأزمة، مع وضع سياسات أكثر شمولاً تحفظ كرامة المهاجرين وتضمن حقوقهم الأساسية، وذلك من خلال تعاون إقليمي ودولي فعال.

Continue Reading
Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Trending